ظلموني وقالوا عدو المراة

ظلموني وقالوا عدو المراة

انا كما لا يعرفني الناس؟! من انا؟. انا نفسي لا ادري من انا؟ انني افتحي عيني على مرآة يقدمها لي الناس او الصحافة، فاذا امامي صورة رجل بخيل، يحب الماس، كسول شارد البال، يجلس طوال وقته تحت شجرة او داخل حجرة، ويسجل من وقت الى آخر شيئا ما؟..

والان اريد ان اسأل: اتلك هي حقيقتي؟ ام ان هذه صورة وهمية من صنع غيري؟!
وهل تعجبني هذه الصورة او تغضبني؟!
الجواب: لا هذا ولا ذاك، مادام غيري يراني هكذا فليكن.
ان الناس يرونك بعيونهم هم، وعلى قدر ما يستطيعون ان يبصروا وعلى النحو الذي يحلوا لهم ويسرهم!.. اذن.. فلتكن لهم الصورة التي صنعوها، وانا اول من يساعدهم على ذلك، ما خطر لي قطر يوما ان اعارض او استنكر او اكذب، بل العكس، انه ليريحني ان ابدو كما تريد انت، وبتعبني ان اكذبك، ولماذا افعل؟.. ابذل انت المجهود لتكتشف الحقيقة التي تظهر لك، ودعني انا اتفرج على اكتشافكّ.. لا يهمني ابدا ان اظهر احسن مما انا في الواقع، وعندما ابدو اسوأ واقبح، فان هذا يوفر علي كثيرا من المتاعب، هذه تجربتي، اما اين الحقيقة في كل هذا؟.. الحقيقة التي لا يعرفها الناس؟ اقول لكم الحق.. انا لا اعرفها، دلوني عليها انتم من فضلكم واكون شاكرا!!
على ان لي صفة اعرفها ويعرفها القليلون ممن عملت معهم، هي انني رجل واجب، وان كنت لست برجل مجاملة.. وفرق بين الواجب والمجاملة.. لا تنتظر مني ردا على بطاقتك في عيد او تهنئة، ولكني اذا كلفت بعمل فاني اقول به كما يجب.
لقد ظن بعضهم انني في كل وظائف الدولة التي اسندت لي من وكيل نيابة حتى مجلس الفنون، كنت معها مثال المهمل المستهين، ولكن الذين كانوا على صلة بي يدهشون دائما لهذا الظن، لانهم كانوا يرون في شخصا دقيقا يحرص على عمله كل الحرص.. ويمكنك ان تتأكد من هذا بنفسك اذا زرتني في مجلس الفنون والاداب حيث العمل لا يقتضي نوعا من الروتين، ولسوف تراني اقول بواجبي، ولا اتخلف عنه يوما.
ان صورة الاديب والفنان هي وحدها التي توحي بالفوضى، ومع ذلك فان الادب والفن عندي عمل شاق له واجباته القاسية.
وحيث يظن البعض ان الفن يحتاج الى شيء من الفوضى، ما استطعت انا قط ان اجعل منه فوضى، او اجنح في حياتي واخلاقي الى التحرر.
انا احب الحرية حقا، ولكنني اكره التحرر – وفرق بين التحرر والحرية، لان الحرية تستوجب المحافظة على الواجب والخلق، اما التحرر فهو الانطلاق من كل القيود الاخلاقية.
انا لا احمل ساعة، ولكن اذا دعيت الى موعد يهمني فثق انني ساكون ادق في مراعاة الوقت ممن يحملون الساعات!
هذا اذا لم يكن هناك سهو او نسيان، حقيقي او مقصود.. ان النسيان هو التحرر الوحيد الذي اسمح به لنفسي!..
اهم ما في حياتي اننياردت ان اهبها للفكر، وانا ابتعد بالفكر عن النفوذ، لارى هل الفكر في ذاته ونفسه قوة؟! او انا مثل القفاز لا يتحرك الا باصابع النفوذ؟! واذا كنت قد فشلت، فحياتي اذن قفاز فارغ!..
الادباء والكتاب القدامى – والمقصود بالطبع في الادب العربي الحديث – هم الذين قاموا بالثورة الادبية الكبرى، قبلهم كان هذا الادب لا يزال كما كان منذ الف عام، ينسج افكاره على انوال خشبية من المقالة والمقامة ونحو ذلك، فجاءوا هم بعد ثورة سنة 1919 وادخلوا الات النسج الحديثة، من رواية وقصة وتراجم وبحوث ومسرحية، لينتجوا بها نماذج ادبية جديدة، لها الاطار العالمي والمضمون الاصيل، اما الادباء والكتاب الجدد فلهم دور آخر، هو توسيع مدى تلك النماذج والعمل على اتقانها، وتضمينها كل صور الحياة والافكار الجديدة، مع مضاعفة الانتاج وتحسينه، ولهم في ذلك كل طاقتهم، لم يستنفذوها في شق الطرق ولا اقناع الناس بالمقاييس الجديدة، كما جاهد من اجل ذلك الجيل السابق، واستنفذت ثورة التجدد وادخال الالات الحديثة جزءا كبيرا من طاقته، ان الجيل الجديد طلع فوجد الانوال الخشبية قد حطمت، والمصنع الحديث قد اقيم، والنماذج قد ظهرت، فالذي ينتظر منه اذن هو استخدام المصنع الحديث في الانتاج الضخم الجيد المتقن، الذي يجعله في المستقبل قابلا للتصدير في اوسع نطاق.
***
واراك الان تريد ان تسألني عن حياتي الخاصة
اسمع ايها القارئ:
انا مصمم على الا يعرف احد عن حياتي الخاصة اي شيء، ثم ماذا يهمك انت فيمن تكون زوجة توفيق الحكيم؟ او كيف تزوج توفيق الحكيم؟ وكم يكسب؟ وكم ينفق؟. انني اعتقد ان حياتي الخاصة ملك لي وحدي، واذا ما تكلمت عنها فانني سامس غيري وانا لا احب ان اتكلم عن غيري.
استطيع ان احدثك ما شئت عن شخصي وصفاتي وعيوبي الكثيرة وفضائلي الحقيقية، اما حياتي الخاصة.. زوجتي واولادي، فما بالك وما لها يا سيدي؟ انها لن تزيدك شيئا، بل ستنقصني انا شيئا هاما، وهو عزمي على الا ابوح بها لاحد.
استطيع مثلا ان احدثك عن ارائي ومبادئي، حتى"سر المهنة"ساقضي به الى الشباب الذي يود الاشتغال بالادب، على ان تترك حياتي الخاصة جانبا، وهيا نبدأ"يا واش يا واش".
قالوا عني انني عدو المرأة، وانني اكرهها واجازيها، والمسألة لم تكن كراهية، بل كان نقدا حمله الناس محمل الكراهية، وهذا النقد كان في وقت كانت المرأة فيه تفهم النهضة النسائية، فهما خاطئا.. كانت تنقد ان النهضة هي ان تتحرر من كل واجباتها كام و"كست بيت"وان تنطلق في حياة اجتماعية خارج المنزل مقلدة الرجل، دون اي غرض آخر، الا مجرد خروجها على وضعها الطبيعي، وكان لذلك اثر سيء حتى على الفتاة الحديثة، لانها اهملت كل ما يمكن ان يجعل منها عنصرا ايجابيا في المجتمع، وتحولت الى مجرد مظهر لا يدل على رغبة اكيدة في الخدمة العامة، وكان من اثر ذلك ان كثرت الحفلات الماجنة بدعوى جمعيات الخير وكثر الاختلاط الماجن الى حد ان كانت المراة تجعل"البار الامريكاني"من ضمن جهاز العرس! وكانت الفتاة الجامعية تجهل كل شيء عن واجباتها كمديرة بيت وام اطفال، ولا تعني بتعلم صنف واحد من الطعام يمكن ان يعتمد عليها فيه.
كل هذا ادى الى نوع من الفوضى في محيط الاسرة والمجتمع المصري الحديث، ولذلك كان لا بد من صيحة تنبه الغافلين، ولكن المراة اعتبرت تلك الصيحة عدوانا عليها، واعتبرت ناصحها عدوا لها، ولكنها لم تلبث حتى تنبهت فيما بعد الى ان هذه الصيحة كانت خالصة لوجه الله، ولمصلحتها هي قبل كل شيء، وكان من اثر ذلك ان اقبلت المرأة على التفاخر بحذقها لعملها كسيدة بيت وام اطفال قبل كل شيء، واصبحت المرأة المشتغلة بالاعمال العامة، بحكم استعدادها وظروفها، تعلن اولا للملأ ان عملها العام لا يؤثر اطلاقا على اعمالها المنزلية، وانه لا تعارض اطلاقا بين مجهودها كزوجة وام، واعمالها الخارجية في النشاط العام، كما ان فتاة الجامعة بدأت تتعلم الى جانب دروسها النظرية، ما ينبغي ان تتعلمه كزوجة وام، وبذلك تم التوفيق الحكيم بين الوظيفة الطبيعية للمرأة، ونزعتها التجديدية في سبيل النشاط الخارجي، وعندئذ اصطلحنا.. انا والمرأة.
واراك تقول.. اذا كان الامر كذلك، فلا بد وانك متزمت جدا في معاملتك مع الجنس الليف من اسرتك.. واقول لك الحق ان هذا صحيح الى حد ما، فبالرغم من ان ابنتي صغيرة.. الا انني اعتقد مستقبلا انه من الخير الا تعرف احدا من الشبان، واذا حدث هذا فارجو ان يتم هذا التعارف على خير، ولا تترتب عليه نتائج سيئة، اما من حيث زواج الفتاة عموما، فاذا احسنت الفتاة اختيار شريك حياتها فيكون رأيها هو المفضل، ولكن اذا لم تستطع ان تختار فعلى الوالدين ان يختارا لها.
ومن حيث التقاليد، احب ان احترمها، كما احترم القيم على قدر الامكان، ولا اطرح منها الا ما كان باليا لا يمكن تنفيذه عمليا في الصور الحديثة.
انا لا اصلي ولا اصوم، وقد كنت اقوم بالفرضين الى ان منعتني الظروف الصحية من ذلك، ولكنني اصلي واصوم على طريقتي الخاصة! وهي ان اذكر الله قبل النوم كل ليلة، واصلي له صلاة اعتقد انه يتقبلها مني، لان الدين يسر لا عسر ولكني افضل ان تكون لي المقدرة على ان اصلي الفروض بطريقة منتظمة واسمعك تقول: اذا كان الامر كذلك، فلا بد انك عجوز هرم، اكل الدهر عليك وشرب، ولكني اطمئنك فما دمت اذهب الى عملي واعود منه، فانا لم ابلغ بعد سن المعاش، اي انني تحت الستين وكفى.
***
واحدثك عن بعض طباعي وابدأ بالحديث عن الطعام..
انا لست اكولا، ولكن عندي حب استطلاع، لما اني ذواقه احب الطهو الجيد، واعتبره فنا جميلا كالفنون الجميلة الاخرى المتعارف عليها، لان الفن عموما، ما هو الا جمع عناصر متفرقة، وتنسيقها تنسيقا جميلا يؤدي في النهاية الى نتيجة رائعة مفيدة، اذن فالطباخ الماهر فنان، واحب دائما ان اتذوق آثار فنه، وليس معنى هذا انني اكل كثيرا، فانا اشبع بعد خمس لقمات، واكلتي ضعيفة جداً.
وامقت في الطعام تعدد الاصناف، لان هذا يشتت انتباهي، وانا احب التركيز حتى في الاكل، فيكفيني طبق واحد جيد الصنع لاتفرغ له، وافرغ همي فيه، وكثيرا ما يكون هناك اكثر من طبق بالصدفة على المائدة، ولكني ارفض مجرد وجود الاطباق المتعددة، واطلب ابعادها فورا، واستبقاء الطبق الواحد الذي افضله ولا انتاول غيره.
ولا افضل من الطعام صنفا معينا، وانا اكل كل شيء على شرط ان يكون جيد الصنع، وقد اكلت كل الانواع التي قدمت في المطاعم سواء في مصر او في الخارج، حتى بعض الانواع التي قد تستغرب هنا مثل القواقع والضفادع، وقد قيل لي ذات مرة منذ ثلاثين عاما في باريس انه يوجد مطعم يجيد طهو نوع معين من انواع الطعام، لذيذ جدا ولكنه منفر من حيث الاسم فقط، فهو طبق ضفادع، فقلت، والله اجربه، ولا يهمني الاسم، المهم الصنعة واذا بخادم المطعم ياتيني بطبق فيه شيء مثل"ورك الارنب الصغير"ولكنه مطهو بطريقة تجمله نظيفا شهيا، فلم استنكره، ووجدته لذيذا فعلا، وعلمت في ذلك الوقت ان هذه الضفادع ليست مثل ضفادعنا التي نراها في البرك والترع، ولكنها من نوع كبير يربى تربية خاصة في احواض معدة لذلك.
ولقد اكلت ايضا القواقع، وهي مثل الضفادع، من نوع كبير ونظيف.. وانتقل بك من الاكل الى القراءة.. وكما اني لا املا معدتي لا املأ رأسي، ولكني اتخير الجيد من كل شيء بمقدار، واحب ان اتذوق اجمل ما يصنعه فنان سواء اكان مفكرا ام طباخا.