القاصة و الروائية العراقية عالية طالب.. من بحر اللؤلؤ  الى قيامة بغداد!

القاصة و الروائية العراقية عالية طالب.. من بحر اللؤلؤ الى قيامة بغداد!

بغداد – عبدالزهرة الركابي
عالية طالب، أديبة و إعلامية، تكتظ لديها عناوين الإبداع بالشمول و التفرد، إمرأة من نساء العراق اللائي خُلقن توازيا”بين الإنوثة السرمدية المتسقة مع الطيبة و الحنان، و الإبداع المتسامي علوا”في الدعوة الى حفظ كرامة الإنسان.

كل العناوين الإبداعية و الإنسانية و الإجتماعية، أرتدت لبوساتها حقيقة": قاصة، روائية، إعلامية، مهنية، ناشطة في حقوق المرأة و الإنسان، و لا غرو إذا ما إنعكست عليها، تداعيات العراق، بعدما أمضت سنوات عدة في الغربة، بيد أن هذه الغربة لم تستطع أن تلين من عريكة أملها المترامي ثقة"، في إحياء أسطورة طائر الفينيق، كتابة و تصريحا”و تبشيرا"، عندما تقول بصدد روايتها (قيامة بغداد)، و يبقى العراق طائر التحول من الفناء الى الخلود كما اعتاد عبر تأريخه الطويل.
و من المفارقات في المسار الحياتي لعالية طالب، إنها درست التجارة في بيروت خلال الثمانينات، و عندما عادت الى بغداد، درست اللغة الأنكليزية أبان التسعينات، بيد أنها إنغمست في النتاج القصصي و الروائي و العمل الإعلامي، و عن هذه المفارقة الدراسية تقول، درست شيئا”لا أحبه كثيرا”في جامعة بيروت العربية.. كلية التجارة (إدارة الأعمال) و بعد سنوات عدت لدراسة شيء كنت أجد نفسي تحبه.. اللغة الانجليزية.. شي جميل أن تفكر بلغة غير لغتك الأم و أن تجد مسلكا”لفهم ما ينتجون و يقولون و يتصرفون و اعتقد إنها أفادتني كثيرا”في أمور متعددة.
و تستطرد، الدراسة لا علاقة لها بالموهبة إنها عطاء رباني قد تصقله الدراسة و هذا ممكن أن تتحصل عليه بالمتابعة و القراءة و البحث و التقصي، و الكثير من خريجي كليات الآداب و الإعلام لا يعرفون التعبير عن ما بداخلهم.. الموهبة أن تعرف انك ستعيد تشكيل الكون وفق أحداث تجيد صياغتها و تبرع في جعل الآخرين يتخيلونها مثلما أردت أنت.
و قد تبدى إبداعها القصصي و الروائي، عبر تناول الجوانب الإجتماعية و الذاتية و السياسية، و تدوين الأحداث المعاصرة في العراق، على الصعيدين التأريخي و الإجتماعي، و لم تترك فسحة مكانية و زمانية في أداء مهام إنسانية و إجتماعية و مهنية، إنسانة أختطت لها مسارا”إبداعيا”و إنسانيا”في آن.
هذه الكاتبة أصدرت أكثر من مجموعة قصصية و أكثر من عمل روائي، بل و مؤلفات أخرى، تناولت من خلالها جوانب إجتماعية و سياسية و ثقافية و فكرية، منطلقة في مؤلفاتها هذه، من هموم و تداعيات و إنكسارات و توجعات المجتمع العراقي، حتى أن توجهها هذا، كان الطابع الغالب في دراساتها و تحقيقاتها و كتاباتها، فكانت نموذجا”للكلمة المتجسدة ديناميا”على أرض الواقع، و غدت هذه الكلمة في قاموسها المبدئي، رديفة”لخطاها المتسارع نحو التماثل العملي و الممارسة الميدانية، مندفعة الى تسلق أعالي الطموحات الإبداعية، ذروة بعد أخرى، و لم تخمد جذوة حماستها في العمل الإبداعي و المهني و الإنساني، متخطية الكثير من العوائق و المطبات، و لم تألو جرأة في إختراق كل المضايقات!.
و من هذا المشهد الذي حرّكت عوالمه بنتاجاتها المتنوعة، تكون عالية طالب، قد حققت هدفين أو غرضين: الأول المضي قدما”في رسم ما ترتأيه من حراك ذي صفة عمومية نموذجية، له ما يوازيه في النماذج السائدة، و يرتبط في نفس الوقت، بأحداث ماضوية، و عملية الإجترار هذه، كانت وقفة للتأمل و التوثب، و لم تكن وقفة تراجع أو نكوص، و الدليل أن عملية الرسو التي أضطلعت بها القاصة في مجموعتها القصصية (بحر اللؤلؤ)، هي الوقفة التي إنطلقت منها، نحو الإبحار الباحث عن المجد (اللؤلؤ) الذي يتطلب أيضا”الغوص الى الأعماق، مهما كانت المخاطر و المصاعب، هي عملية بحث عن الذات أولا"، و عن الإنسان المستلب ثانيا"، نموذجا”عن المرأة، الإنسانة التي تريد من الرجل، الإعتراف بكيانها و عالمها، بكل ما يحمل من خصوصيات أنثوية و فسيولوجية!.
و من المفيد في تناول أعمال عالية طالب، هو التطرق الى مجموعتها القصصية (بحر اللؤلؤ)، و كذلك روايتها (قيامة بغداد)، و هو تطرق مختزل و نموذجي، معبر عن طابع و نفس هذه الكاتبة التي أبت، أن لا تتراجع عن البحث عن كيان المرأة المستقل بشخصيته، و غير المنفصل عن مجتمعه و أطاره الصغير و الكبير، كما أنها لا تتردد في إتهام الرجل على مضض عندما تقول، قلة من الرجال تحاول ان توازن الكفة و بذات اللحظة، لا يُسمح لها بالمطلق، لان الرجل أساسا”في هاجسه، يتخيل انه سيفقد رجولته و سطوته و جبروته!.
هذه الكاتبة لم تنفك عن البحث عن الذات و رموزها المتخيلة، رموز تتجسد في آلية لا تتوقف ديناميتها، باحثة عن اللؤلؤ، من دون ضجر و يأس و تلكؤ، و هي بالتالي مهمومة بكل إنشغالات الحياة، هذه الإنشغالات التي أوجعتها و أتعبتها، بيد أنها تلتصق بها الى حد الإلتصاق الميكانيكي، ربما تريد من وراء هذا الألتصاق، وضع حاجز بينها و بين ماض أسعدها و أرقها، و ربما أيضا”أرادت من الزمن أن يكون هذا الفاصل و العازل، و كذلك النسيان، طبعا”النسيان المجبب و الموجع معا"!، و مع كل هذا، تعمد الى ركن الذاتي و البعيد تخصيصا"، لتعيش هم و أرق الحاضر، المحاصر بهموم و متاعب الكتابة، مفصحة عن ذلك بقولها، متاعب عديدة فهي لم تسمح لي ان انام براحة، فانا افكر و انا نائمة، ليس لي عقل باطن، و لا اعرف كيف ينام عقلي، فانام و انا صاحية.
و مجموعتها القصصية (بحر اللؤلؤ) التي أخترتها في هذا التناول، تقول القاصة عنها، بحر اللؤلؤ هي مجموعة قصصية ضمت ثلاث و عشرين قصة صدرت في بغداد، و هي قصص عراقية بحتة، حفلت بهذا الكم الهائل من الالم الانساني، الألم الذي يعيشه العراقي، مما ادى الى تشظي كل المجتمع، الرجل، المراة و الشيخ , فالبطل الواحد، مشطور بالالم، مشطور بالعقد، مشطور بالمآسي، و لكنه يحاول ان يفتح صفحة جديدة في تاريخه و في تاريخ بلده، هذه هي الثيمة العامة لقصص هذه المجموعة.
((ومها رأيت في عينيك التماعة تشبه صوت مفاجأة السقوط في بحر اللؤلؤ. و قلت
بتمهل ونظراتك تتفحص وجهي:
- نحن متفقان إذن.
- أبداً، لقد تعودت أن أحارب رغباتي.
- لكنك ستخسرين.
- مطلقاً.. سأربح ألمي.))
و هكذا أستطاعت القاصة توظيف الألم كعزاء و مواساة، و إعتبار هذا الألم هو المكسب و الربح في ظل دوامة التباعد و التفارق و التشظي، التي سادت المجتمع الذي تتحرك فيه البطلة، حيث ظلت هذه الدوامة مسيطرة على جوانب هذا المجتمع الذي لم يعلن إستسلامه، ما دام قد ربح الألم!.
و على نفس منحى المجموعة المذكورة، تأتي رواية (قيامة بغداد) التي تقول الروائية عالية طالب في توصيفها، ولدت روايتي ( قيامة بغداد) 2..8 الصادرة عن دار شمس في القاهرة، هي رواية تسجيلية تحدثت عن بعض من المسكوت عنه و تبرأت ممن حاول إن يتباهى بأنه عراقي فيما هو يأكل بلحم العراق ليل نهار. هي رواية الشاهد الحي الذي كان وسط الحدث و عليه إن يقول كلمته في وجه التأريخ حتى لا يشمل التزييف الاحداث التي تكتب حسب المرجعيات و الاهواء و الارتباطات، و روايتي) قيامة بغداد) 2008 هي رواية العراق و هو انتمائي الاول و الاخير في قيامة ستجعله ينهض من رقوده اللاهب ليرمي الوجوه التي تطارده بمشاريعها المتلاحقة للنيل منه، يرميها بذات اللهب لتتحول رمادا” متناثرا".
في هذه الرواية أستطاعت عالية طالب أن تؤدي دورا”محوريا”في سرد الأحداث و تصويرها و روايتها على نحو مؤثر، بل أنها أقامت مشهدا”عراقيا”من الواقع الذي كان يعيشه العراقيون في أيام المحنة، هذه المحنة التي أستمرت في تماثلها و تداعياتها حتى إتصلت بيومنا هذا، و هي من هذا المنطلق، كانت رواية في التسجيل و التدوين و الشهادة و التوصيف، مثلما كانت رواية لامست عميقا”نسيج المجتمع العراقي، بعدما تقطعت خيوطه و أصابها الإهتراء.
عالية طالب، بقدر ما كانت تؤدي دور الراوية، بقدر ما كانت هي الشاهد و الشهيد، وهي عبر هذا الحشد الروحي المفجوع، أختزلت معاناة و إنكسارات العراقيين، إنكسارات لم تلجمها مرحلة من التخدير بخاتمة الرواية، لأن هذه الإنكسارات تتواصل بحلقات معتمة و مفتوحة الى أجل، تعزز توقعاته أن يكون مفتوحا”على هاوية التشظي، و دوام الألم هو الربح الذي يجترحه المفجوع و المتألم ما دام الدواء بعيدا”عنه أو هو لا يستطيع الوصول إليه!.
عالية طالب.. من جيل أعتنق الصعاب و الدخول في التجارب الإجتماعية و الثقافية، و كان في مسيره يحاذر في وقع خطاه بين شوكة و أخرى، لم يمتثل للإغراءات، و لم يذعن للسطوات، كان جيلا”تواقا”للحرية وفق مفهومه البريء!.