بغداد/ المدى الاقتصادي
اصبح العراق الى وقت قريب من الدول الطاردة للاستثمارات الخارجية والداخلية فيما كانت رؤوس الاموال في المقابل تهرب الى الدول الاخرى بما فيها دول الجوار جراء تراجع الوضع الامني والمعيشي، ومن هنا كانت عملية اعادة تلك الاموال او القيام بالموازنة بين الخارج والداخل معادلة
في غاية الصعوبة لانعدام وجود العوامل المساعدة التي تمكن من شروط تفعيل الاستثمار وتدفق الاستثمارات ورؤوس الاموال الى البلاد وتنشيط السوق المحلية التي عانت من كساد واضح خلال الحقبة الماضية خاصة في العقد الاخير من القرن الماضي والمستمرة حاليا.
وقال ناصر العبيدي تاجر جملة لمحال بيع مواد التجميل في سوق الشورجة: ان هذه الظاهرة موجودة منذ عام 1991 تقريبا وحتى الان، وان كانت في تصاعد بعد عام 2003 والهجرة الحالية لرؤوس الاموال وبكثافة قل نضيرها في العقود الماضية لاسباب شتى، والتي قد تكون منظمة في كثير من الاحيان لرؤوس اموال عينية او موجودات يسهل حملها اثناء سفر الاشخاص او العائلات الى دول الجوار ودول العالم الاخرى الجاذبة للعراقيين في الوقت الحاضر وبطريقة من غير الممكن اعادتها الى داخل العراق مجددا بسهولة حتى مع استقرار الاوضاع الامنية بصورة كلية في المستقبل، بدلالة ان الكثير من زملائي التجار الكبار في السوق هاجروا من العراق لخشيتهم من التعرض لابتزاز او السرقة او القتل من قبل المجهولين مفضلين نقل ودائعهم واموالهم التي تقدر بالمليارات من الدنانير الى البلدان الاخرى ليقيموا هناك نمطا جديداً من الحياة والعمل بشكل دائمي يجعل من المتعذر عودتهم مجددا الى العراق في المستقبل القريب.
فيما طالب احمد السعيدي المتخصص في الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام للتعاون الجهات المختصة بحث السبل الكفيلة بمعالجةهذا الاستنزاف الذي يكاد يكون مستمرا في رؤوس الاموال واصحاب الشركات والخبرات الصناعية والتجارية والاستفادة قدر الممكن منها في العراق وتشجيعهم على عدم الهجرة والذي لا يكون الا من خلال دعم التاجر العراق وتوفير الحماية الكافية له ولعائلته ولامواله والمحافظة عليها وتقليل المخاطر التي يتعرض لها، بما في ذلك تغيير القوانين الاقتصادية والتشريعات القانونية التي تعرضه للخسائر غير المتوقعة، وتوفير الحوافز المالية والاقتصادية له لضمان استمراره في العمل وتجنب اتخاذ سياسة المنافسة بين الاستثمار الوطني والاستثمار الاجنبي خاصة في القطاع الخاص من خلال تقديم الدعم المتكامل والفرص المتساوية بينهما بما يضمن تحقيق التكامل في هذا المجال وايجاد نوع من الشراكة بين الاستثمارين الاجنبي والمحلي.
وقال السعيدي: الضرورة تتجه الى اعتماد رؤية استثمارية واضحة لجذب المستثمرين الاجانب والمحليين على حد سواء التي تتنافس الدول على استقطابهم اليها واقناعهم على الاستثمار في السوق المحلية، حيث تعد هذه الرؤية مفصلا مهما في جهود جذب هؤلاء وتكليف جهة معينة بذاتها بهذه المهمة التي لطالما توكل الى جهات متخصصة بهذا الشأن في دول العالم الاخرى والتي تضطلع بتقديم الحوافز والمزايا والاعفاءات الجمركية والضريبية للمستثمرين، فضلا عن تاطير قانون الاستثمار الاخير بجملة من التعليمات والانظمة والتشريعات التي تتطابق مع التحول نحو اقتصاد السوق في العراق الذي لاتزال قوانينه النافذة والمعمول فيها حاليا لا تماشي مع هذا التوجه بل تحد منه في كثير من الاحيان، لاسيما في تطوير بعض القطاعات الانتاجية كالصناعة التي لا تزال متاخرة عن ركب التطور الصناعي في دول العالم بشكل عام ودول الجوار بشكل خاص التي تطورت فيها خلال السنوات الاخيرة برغم عدم امتلاكها لبنى تحتية وموارد اولية كالتي يمتلكها العراق.
من جانبه قال سيروان مصطفى التدريسي لمادة الستراتيجيات الاقتصادية والسياسية في جامعة صلاح الدين: ان جذب الاستثمارات الاجنبية وتنشيط القطاع الخاص اصبح من الوسائل التي تستخدم في الحد من هجرة رؤوس الاموال الى الخارج وان كان سيرها ابطأ بكثير من خروج رؤوس الاموال من العراق، الا انها لا تزال من الوسائل الجيدة المستخدمة في هذا السياق والتي تحتاج بين الحين والحين الى المراجعة لتشخيص مكامن الخلل واصلاحه على الفور.
واشار الى ان من اهم تلك الوسائل تقديم الاعفاءات التشجيعية من اجل عودة رؤوس الاموال المحلية الى الداخل بالصورة التي تميزه عن غيره من رأس المال الاجنبي الوافد حديثا، انطلاقا من اهمية دعم القطاع الخاص في اعمال بناء والاعمار وقدراته في التعاطي الايجابي مع المتطلبات الاقتصادية للسوق المحلية بما عرف عنه من امكانات وقدرات فنية ومادية كبيرة وخبرة في العمل على مستوى السوق المحلية، اضافة الى اهمية طمأنة المستثمرين من العراقيين والاجانب الى وجود قانون يوفر الحماية المطلوبة لهم ولاستثماراتهم، والقيام بفرض الرسوم الجمركية والضريبية بشكل متوازن وعلى اساس الفرص المتكافئة بين الجانبين في هذه المرحلة بالشكل الذي يحمي القطاع الخاص المحلي ويشجع المستثمر الاجنبي على الدخول في السوق العراقية بهدف النهوض بالواقع الاستثماري الذي من شانه انعاش الحالة الاقتصادية والتنموية في العراق، لاسيما ان الكثير من المحافظات والمدن العراقية تشهد حراكا اقتصاديا كبيرا ونموا استثماريا واسعاً خاصة في اقليم كردستان في المرحلة الراهنة.