قيثارة السماء وصوت الحب

قيثارة السماء وصوت الحب

سحر طه / فنانة عراقية
ملف خاص بالفنانة نجاة الصغيرة، خصصته مجلة "الهلال" المصرية، في عدد أيار الماضي شارك فيه كتاب وأدباء وتضمنت مقالاتهم آراء احتفالية ودية، مع سيرة مهنية وشخصية والأسماء التي كانت شريكة نجاحها طوال سنوات العطاء من كتاب أغنية وشعراء وملحنين وآخرين.

الكاتب مجدي الدقاق بدأ مقالته بنزار قباني وبيت شعر من قصيدته الشهيرة التي غنتها نجاة بعنوان "ماذا أقول له" أو "ألف أهواه" ويتساءل الشاعر في أحد مقاطع القصيدة:
وكيف أهرب منه إنه قدري ... هل يملك النهر تغييراً لمجراه؟.
ويعتبر الدقاق إن نجاة إلى جانب أسماء كثيرة، تعدّ رمزاً لعصر كامل، تصدرت فيه نجاة المشهد الغنائي العربي بصوتها الدافئ الحاني واختيارها الواعي لأشعار وكلمات كبار الشعراء مثل اسماعيل الحبروك وكامل الشناوي ومأمون الشناوي وصلاح جاهين ونرار قباني وعبد الرحمن الأبنودي وعبد الرحيم منصور ومحمد حمزة وآخرين. وألحان كبار أمثال رياض السنباطي ومحمود الشريف وأحمد صدقي وكمال الطويل ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وكمال الطويل ومحمد الموجي والأخوين رحباني وغيرهم.
نجاة محمد حسني الشهيرة بنجاة الصغيرة، يسرد الكاتب نبيل حنفي محمود سيرتها فيذكّرنا بأنها ولدت في الحادي عشر من آب عام 1936 (حسب محمد قابيل في موسوعة الغناء في مصر) وكان والدها محمد حسني البابا من أصول سورية من فناني الخط العربي، وتلقت تعليماً منزلياً عبر معلمة، الأمر الذي كان شائعاً لدى عائلات الطبقة المتوسطة من هنا النطق السليم للطفلة وتأسيس مخارج الحروف من حنجرتها على الأصول الصحيحة في اللغة العربية. ولا غرابة أن تنطلق الفتاة الصغيرة عام 1946 بأغنية "غلبت اصالح في روحي" التي غنتها أم كلثوم للمرة الأولى في ذلك العام وفي هذه المقالة نقرأ بعض خفايا حياة الفنانة ومحطات قادتها إلى النجاح والتألق والوصول إلى الذروة في العام 1955 حيث قدمت مجموعة أعمال تعتبر من ضمن ملامح تطور الأغنية العربية وعلامات لا تمحى في سجل هذا الصوت مثل أغنية "يا قلبك" لرياض السنباطي وحسين السيد و"أوصفولي الحب" لمحمود الشريف ومأمون الشناوي و"حبيبي سامعني" للسنباطي و"بتقول لي بحبك من إمتي" لمحمد الموجي و"سلم لي عليه" لرؤوف ذهني والشناوي و"أسهر وانشغل أنا" لكمال الطويل والشناوي وغيرها من أغنيات دينية ووطنية في رحلة طويلة شاقة.
أما الكاتب محمد سعيد فهو يستشهر بقول الكاتب الراحل فكري أباظة فيصفها بأنها مطربة بالفطرة ومن ثم ساعدها تشبعها بغناء قصائد أم كلثوم وأغنيات كثيرة لها، على اجتياز مرحلة التقليد حتى النصف الأول من الخمسينيات حين لحن لها كمال الطويل "أسهر وانشغل انا" التي كتبها الشناوي وأغنية "أوصفوا لي الحب" للملحن محمود الشريف في فيلمها "مغامرات اسماعيل ياسين" و"ليه خليتني احبك" للطويل وهو الذي غنته ليلى مراد في فيلم "الحبيب المجهول" وبهذه الألحان بدأت نجاة لونها المميز الذي عرفت به فيما بعد، والذي طالما وصف بأنه صوت حريري الأثر مخملي الخامة.
رفيق الصبان الذي عنون مقالته "قيثارة السماء" استذكر المشهد الأول الذي علق في ذاكرته عن فتاة بعمر الثامنة تغني أم كلثوم عبر مقال ومن ثم شاهدها عبر فيلم "الشموع السوداء" "...فتاة بجسد نحيل ممشوق ودقة صوت مدهشة وإحساس عاطفي جارف يجذبك ما إن تبدأ الغناء أو الكلام...".وهكذا تحدث عن مسيرة الممثلة نجاة عبر تحليل شخصياتها المختلفة التي قدمتها في الأفلام، وفي المجال نفسه تناول محمد عبد الفتاح مراحل مرت بها الممثلة نجاة.
محمد قابيل يضم نجاة إلى صفوف "مدرسة الغناء الشيك" التي قادها محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ في المرحلة الرومنسية، فيما يتناول محمد حمزة مسيرة هذه الفنانة "من قريب" وهو الذي كتب لها أغنيات مثل "الطير المسافر" عام 1968 وهنا يتذكر لحظات التسجيل في الاستديو مع الفرقة "الماسية" وقائدها أحمد فؤاد حسن وبحضور صاحب اللحن الراحل بليغ حمدي. ويذكر حمزة دفاعها عن عبد الحليم عام 1970 حين أوقع البعض بينه وبين فريد الأطرش ثم حاولوا الإيقاع بينها وبينه بعد حفلة مشتركة لهما.
ويكتب خيري شلبي بعنوان "زهرة البنفسج" حيث يشبهها بهذه الزهرة التي قال بيرم التونسي إنها تبهج وهي حزينة. حزن الجمال وجمال الحزن كلاهما مؤثر في النفس، حيث يشعر الناظر إلى وجهها بشفقة أبوية كبيرة كما شعر في أوائل الخمسينيات. ويقول الكاتب الراحل كمال النجمي عنها إنها الصغيرة التي كبرت، وما زالوا يتذكرونها طفلة تغني أم كلثوم ويورد بعض ذكريات لقائه بها وبصوتها الذي "...يشبه مادة حلوة مركزة لكن حلاوته مزة ـ بضم الميم كحلاوة البرتقال".
ويصفها فوميل لبيب بأنها آلهة الحب وتنهيدة الحرير، وتر مشدود إلى المنتهى، نبع أحاسيس ومشاعر مرهفة وهو يستعيد بعض كلمات لفكري أباظة حين غادر مسرح فؤآد الأول في الاسكندرية قبل أكثر من ربع قرن إذ قال غاضباً: هذا حرام، كيف تسهر هذه الصغيرة إلي الثانية صباحاً ومن في عمرها ناموا قبل خمس ساعات؟" وحمل عليها أباظة حملة شعواء وطالب بمنعها من الغناء لأنها آخر فقرة في كل حفلة لكي يبقى جميع من أتى يسمع المعجزة. وقال محمد عبد الوهاب: هذه خامة للمستقبل احفظوا صوته؟
ونقرأ بقلم نجاة الصغيرة حول متاعب المطربة حيث تسرد إن الأغنية التي يسمعها المستمع في دقائق تصل إليه بعد عذاب وسهر وقلق لشهور طويلة أو أكثر وطوال هذه الفترة "أعيش على أعصابي المشدودة دائماً".وتكتب عن علاقتها بعبد الوهاب وفضله عليها وكمال الطويل وآخرين، ودوام شعورها بالرهبة في طويقها إلى المسرح وأمام الميكروفون.