شاعر الاغنية البغدادية : سيف الدين ولائي..رفض أن يتغنى بصدام فهجّره الطاغية

شاعر الاغنية البغدادية : سيف الدين ولائي..رفض أن يتغنى بصدام فهجّره الطاغية

لقاء اجريته في بيتي مع السيدة «فريال» كريمة الشاعر «سيف الدين ولائي»، مساء الخميس الموافق 22 آذار 2012 م، بعد قدومها في اجازة من السويد، حيث تقيم. وفضلا عن المعلومات القيمة التي ادلت بها لنا، فقد زودتنا بعدد من الصور والوثائق المرفقة بهذا الملحق، فكشرا جزيلاً لها.

ولد «سيف الدين فاضل فرج» في مدينة الكاظمية المقدسة، في سنة 1916م، في هي «ام النومي»، لأب يعمل اسكافيا، والاب مولود في هذه المدينة ايضا. وجده «فرج» ولد فيها كذلك وامه «رباب» كظماوية « الاصل ايضا.
ومن هذه الاسماء، لا نرى فيها اي اسم ايراني بل اسماء عربية خالصة، وليست هناك اية علاقة بعائلة «سيف الدين ولائي» بايران.
اما اللقب "ولائي"، فهو ليس لقب العائلة، بل هو لقب فني اطلقه "سيف الدين" على نفسه، لحبه وولائه للفن.
اما زوجة المرحومة "نورية حسين ابراهيم" فهي من مواليد الكاظمية كذلك، فالاثنان عراقيان، ولا علاقة لاي منهما بايران.
وقد قمنا باستخلاص اسميهما من "حجة الزواج" ذات الرقم "321/1943" الصادرة عن "محكمة شرعية بغداد / الرصافة "بتاريخ "20/6/1943م" عن سجل الاساس "135/43/ من 61" من "قاضي بغداد الجعفري السيد محمد علي الكاظمي".
وقد ثبت اسمه واسم ابيه "سيف الدين فاضل" في معاملة تقاعده، في الاضبارة ذات الرقم "107007" الصادرة عن وزارة المالية / المديرية العامة لصندوق التقاعد / شعبة الاستعلامات" المؤرخة في 18/8/1976".
***
درس "سيف الدين فاضل فرج" في مدرسة الكاظمية الابتدائية، وبسبب عراقيته الاصيلة، لا تبعيته الايرانية المزعومة، خرج في تظاهرة وطنية ضد النظام في سنة (1930) ، وقبض عليه مع متظاهرين اخرين، لكنه لم يسجن فقد كان صغير السن، لا يتجاوز عمره الرابعة عشرة، الا ان الحكومة قامت بفصله من المدرسة، فاضطر للعمل مع والده، اسكافيا.
بدأ يكتب الشعر وهو في تلك السن في مكتب الكثير من "الردات" الحسينية.
والاغاني الوطنية و"المنلوجات". وكانت قصائده تحلن وتغنى وتذاع على الهواء مباشرة. من اذاعة قصر الزهور التي كان يشرف عليها الملك الوطني "غازي" رحمه الله، قبل تأسيس الاذاعة العراقية في سنة (1936م) ولحن له وغنى الاوان "صالح الكويتي" و"داوود الكويتي".
عمل مراقبا في "البلدية" و"امانة بغداد" الان. وكنت اعرف انه مارس عمله هذا في سنة (1951م) وربما قبل ذلك .
عائلته
زوجه هي المرحومة "نورية حسين ابراهيم الجواهري" وهي من مواليد سنة (1932م) وكربلائية الاصل.
اما اولاده وبناته فسنذكرهم حسب سنوات ولادتهم، "فوزية" 1947م و"عفيفة" 1949م، والتي سماها تيمنا باسم الفنانة الكبيرة "عفيفة اسكندر"، وهام بها، وكتب لها احلى الاغاني، و"إكرام" 1952م ، و"جاسم" والشاعر المعروف الان (1953م) ، و"عادل" 1955م، و"فريال" 1956م، و"عز الدين" 1958م، و"حكمة" 1960م، و"علي" 1963م، و"عذراء" 1965م و"تغريد" 1967م".
ذكريات
تقول السيدة "فريال" عن ذكرياتها عن وادلها، ان كان يخرج منذ الصباح الباكر الى عمله ، ويحرص على القدوم في وجبة الغداء لتناول الطعام معا.
بعد ذلك يذهب الى حجرته ليقرا، فهو قاريء مهم، ويكتب ايضا. وكان يحرص على ان يكتب على اوراق، وبقلم "القوبية"، لهذا لا تفارقه اوراقه وقلمه ، فعند خروجه هي معه، وعند نومه تكون الاوراق والقلم تحت وسادته، لان الالهام يصحبه دائما، فكثيرا ما يستيقظ من نومه، ليكتب.
اذكر انه عندما كان يدخل الحمام ليستحم، اسمعه يصيح، "نوري" – تدليلا لاسم الوالدة رحمها الله. جيبيلي الاوراق والقلم.
فتسرع الوالدة بتلبية طلبه، فيخرج من الحمام باغنية او بمطلع اغنية.
وكثيرا ما كان يربت باصابع يده على ركبته، وهو يبتسم ويتمتم او يدمدم ابياتا من الشعر.
كان والدي يتأتي، في حديثه ، واذا كان جليسه قريبا منه، فانه يضربه بساقه او ركبته، فذلك يساعده على الكلام.
وبسبب تأتاته هذه لقبته المطربة اللبنانية الكبيرة "نزهة يونس" بـ: "الاخرس البغدادي" التي غنت له اشهر اغنياتها: "يا خالة".
وقد صاحبه هذا اللقب، واشتهر به، حتى ان لقاء اجري معه ونشر في مجلة "الف باء" في اوائل سبعينيات القرن الماضي، كان عنوان : "لقاء مع الاخرس البغدادي".
في ذلك اللقاء، اجاب الوالد رحمه الله ، عن اسئلة عديدة، ومنها اسئلة حول عائلته ، والطعام الذي يحبه، وهو : الباجة".
مناسبات اغانيه
"سيف الدين ولائي" شاعر صادق، يكتب ما يمليه عليه وجدانه وحسه الشعري البغدادي المرهف، لذلك فان اغلب ما كتبه يعبر عن حال ، او مناسبة مربها وعاشها. وسنذكر الان عددا من هذه الاغاني ، واسرار كتابتها.
"سمر سمر": اشهر لاغاني العراقية، وهي اول اغنية غناها فنان الشعب "رضا علي" في سنة 1953م، والتي كانت سبب شهرته العريفة.
ولهذه الاغنية قصة، فقد احب الشاعر "سيف الدين" سيدة مطلقة اسمها "سميرة" وكانت باهرة الجمال سمراء، ذات عنينين واسعتين سوداوين، لذلك جاء في هذه القصيدة:
"سمرة او وسيعة عين عيني سمر".
"عروسة والحبايب ذا فيها" : كتبها لمناسبة زواج ابنته البكر "فوزية" في ستينيات القرن الماضي، وقد غنتها المجموعة.
"اسم الله اسم الله محصن بالله" كتبها لمناسبة ميلاد ابنه "جاسم" والذي وافقت ولادته يوم تتويج الملك "فيصل الثاني" في 2/5/1953م.
"غريبة من بعد عينج يا يمة" من اروع الاغاني واجملها، وكثرها تأثيرا في المشاعر والاحاسيس الانسانية ، بعد وفاة والدة الفنانة الكبيرة "زهور حسين" وطلبت منه ان يكتب قصيدة عن الام لتغنيها فكتبها لها، ولحنها لفنان الكبير "عباس جميل".
"جيرانكم يهل اعددا": غناها ولحنها الفنان "رضا علي"، وكانت مناسبتها ان جيرانا اعزاء على قلبه، انتقلوا من بغداد الى الشطرة، فحزن لهذا الفراق الذي عبرعنه بهذه الاغنية "حكك العرفتونه وعرفناكم" غناها ولحنها "رضا علي" ايضا ، وكتبها للمناسبة ذاتها، فقد كان اولئك الجيران من المحبوبين للعائلة.
"سبعة ايام": غنتها الفنانة الكبيرة "احلام وهبي" ، بعد ان عايش عروسا لم تهنأ في زواجها، منذ اسبوعها الاول.
التهجير
لماذا هجر "سيف الدين ولائي" وهو عربي عراقي.. ولا شائبة في ذلك؟
تواصل السيدة "فريال" حديثها عن والدها، وتتحدث الان عن سبب تهجير عائلتها الى ايران فتقول:
- قبل التهجير باسابيع زارنا "داوود القيسي" الذي كان بوقا مهرجا من ابواق الطاغية المقبور"صدام"، فطرق الباب ، ثم صاح قبل ان يسمع اي جواب.
- استاذ سيف الدين ولائي!
خرجت انا اليه، وقبل ان اقول له انه غير موجود، وكان موجودا، قال لي: انا اعرف انه موجود! استاذ ! استاذ! وراح ينادي والدي ، فخرج اليه والدي، ودار بينهما حديثه قرب عتبة الباب. وعندما دخل والدي الى البيت ، قال:
- جاء هذا المرتزق ليطلب مني كتابة قصائد عن "صدام" وعدني ببيت وسيارة وفلوس ومسدس وحماية كاملة! رفضت طبعا، بحجة المرض، لكنه لم يصدقني.
وفي يوم 11/5/1980م، جاءنا امن المنصور، وطلبوا من ابي الذهاب الى امن المنصور، وقالوا له:
- استاذ "سيف الدين".. لاتخف.. لن نهجّرك كما تظن. فانت شاعر وانسان معروف. تفضل معنا انت والعائلة.
وبسبب عدم وجود بعض اخوتي في البيت – طلب منهم مهلة ليوم الغد .. ففعلوا.
وفي صبيحة اليوم التالي ذهب مع العائلة – ومعنا شهادات الجنسية وهويات الاحوال المدنية ، وكلها عراقية ، فسحبوها كلها، وسفرونا الى مندلي ، ومنها وضعونا على الحدود العراقية – الايرانية.
ادخلنا حرس الحدود الايرانيون، ووضعونا في خيمة في احد المعسكرات. وبعد ثلاثة اسابيع ذهبنا الى طهران؟ الى وزارة الداخلية الايرانية، وبعد البحث عن اي مستمسك يثبت علاقتنا بايران، لم يتم العثور على اي شيء ، فقال لنا احد المسؤولين في تلك الوزارة.
- انتم عراقيون عرب. ليست لكم اية علاقة بايران.
بقينا في ايران عشرة اشهر، ثم طلبنا مغادرة ايران والسفر الى سورية، لقربها من الوطن الحبيب، العراق المفدى، فمنعنا وثيقة مرور، بعد ان تعهدنا بعدم العودة الى ايران.
في سورية، سكنا في بيت متواضع، في السيدة زينب عليها السلام، وبدأنا نعمل جميا، اذ لم يبق معنا شيء من المال.
منذ خروجنا من منزلنا، في "الوشاش" ، للذهاب الى امن المنصور، بل ومنذ نهوضه للذهاب، لاحظت ان والدي يتكيء على امي، حتى يستطيع السير، فقد بدأ يفقد السيطرة على حركته.
وفي المعسكر، كنت اسمعه يردد مع نفسه، ولكن بصوت مسموع:
- اني ابن الكاظمية ! رحم الله يزيد على السووه بيه!"
دلالة على ان الملعون صدم قد فعل به، اكثر مما فعله الملعون يزيد بال بيت رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم.
وهي صيغة من صيغ المبالغة، لتعظيم العافية التي حلت وكانت تصلنا اخبار من الوطن، تحدثت عن الضجة الشعبية التي حدثت بعد تسفيره، مما اصطر الطاغية الى القول: ان هناك خطأ قد وقع عند تسفيره!
توفاه الله في تشرين الثاني من سنة 1984م ، بعد وفاة الوالدة بنحو اربعة اشهر، ودفن في السيدة زينب عليها السلام، في تشييع مهيب.