التوثيق بالمقابلة الصحفية..       التنوع الثقافي     لحسب الله يحيى.. نموذجاً

التوثيق بالمقابلة الصحفية.. التنوع الثقافي لحسب الله يحيى.. نموذجاً

عادل العامل
إذا كانت كتابة السيرة توثيقاً لحياة شخصٍ ما، على عهدة أو مسؤولية الكاتب و استناداً على أمانته و موضوعيته في تدوين الوقائع و الأفكار، فإن المقابلة الصحفية توثيق تقوم المسؤولية فيه على ضمير الكاتب المحاور و مصداقية الطرف الآخر، إضافةً لما تنطوي عليه المقابلة من حيوية الحوار وجهاً لوجه، و مواكبة المضمون لروحية الفترة الزمنية التي أجري فيها.


و هذا ما تؤكده طبيعة كتاب الأستاذ الأديب المعروف حسب الله يحيى، (التنوع الثقافي ــ حوارات في الثقافة و الإبداع)، الصادر، في 320 صفحة، عن دار الثقافة و النشر الكردية / وزارة الثقافة العراقية. و غني عن الذكر أن الأستاذ يحيى عضو نشط في الحركة الثقافة العراقية منذ السبعينيات، من خلال كتاباته القصصية، و الصحفية، و النقدية، و موقفه السياسي التقدمي الثابت، و عضويته الفاعلة في العديد من المؤسسات الثقافية المتنوعة، التي لم يؤثّر فيها، كما يبدو، تقاعده المتأخر!
في هذا الكتاب التوثيقي القيِّم نتعرف على شخصيات عراقية و عربية و أوربية من مختلف مجالات الفكر و العمل و الثقافة، من خلال 45 مقابلة أجراها الكاتب على مدى نصف قرن تقريباً من مسيرته المهنية. و بالتالي، فإن ما يوفره الكتاب، بالطبع، ليس التعرف فقط على هؤلاء الأشخاص، بل و إلى حدٍ ما على الظروف السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي كانت سائدة آنذاك، و طبيعة الاهتمامات التي فرضت نفسها على الحوار. و كان من بين الذين قابلهم الكاتب مثقفون كبار تركوا بصمتهم المؤثرة في الصفحات الثقافية و الاجتماعية و السياسية من التاريخ الحديث مثل: على الوردي، فؤاد التكرلي، عزيز السيد جاسم، بلند الحيدري، نوري جعفر، فؤاد جميل، لطفي الخولي، جبرا ابراهيم جبرا، سليمان العيسى، يوسف القعيد، وليد إخلاصي، الميداني بن صالح، جاك بيرك، و ألان روب غريَيه، و غيرهم.
و بدلاً من الاستطراد في الحديث عن مزايا الكتاب و استعراض مضامين المقابلات التي لا يمكن الإحاطة بها تماماً في مثل هذه العروض الصحفية السريعة، كما هو معروف، فإني آثرتُ الإشارة إلى شيء من ذلك من خلال تقديم جزء من مقابلته التي أجراها مع المفكر و المؤرخ الفرنسي الكبير جاك بيرك. و كان بيرك آنذاك، 1984، في زيارة إلى بغداد، و هي واحدة من زيارات عديدة قام بها إليها. و يبدأ بيرك المقابلة بتعريف موجز جداً بشخصه، قائلاً:"ولدتُ في الجزائر، و كان أبي يعمل بوظيفة كبيرة في زمن الاستعمار الفرنسي، و تعلمت في مدارس فرنسية، إلى جانب بحثي لمعرفة اللغة العربية التي بدأت مع الحياة، و أكملتُ دراستي في باريس."
س/ متى بدأت معرفتك بالعرب؟
ج/ بدأت في الثلاثينيات، و ذلك عندما التقيت بنخبة من الشبان المغاربة، و ناقشتُ العرب، و شغلت ذهني بهم، و التزمت قضاياهم بشكل موضوعي.
س/ هناك تسميات مختلفة تُطلق على أقطار الوطن العربي، كالعالم الثالث، و الدول النامية، و بلدان الشرق الأوسط. ما رأيكم كمؤرخ في هذه التسميات؟
ج/ إنني كمؤرخ متفائل، و كمواطن متشائم.. أعتقد بأن المصير الإنساني ككل لابد أن يتجه نحو التقدم بشكل مستمر، في حين لا تزال هناك توسعات و ما يجري بين العرب من شنآنٍ"فتنة". المعالجة في أيديكم، أنتم العرب، و ليست في أيدينا، و ذلك بمقتضى زوال الامبراطوريات و المستعمرات.. أنا أهتم بقضايا العرب بعيداً عن كل المسميات التي تُطلق.. أهتم بها كمفكر و مثقف، و كعضو في العائلة الثقافية العالمية.. أحس بالتضامن العميق معها.
س/ هل تعتقد بأن تاريخ العرب كُتب بشكل عقلاني فعلاً؟
ج/ أبداً.. لا تاريخ العرب و لا غيرهم من الأقوام كُتب بشكل عقلاني، لأن صيرورة الشعوب خليط من الإخفاق و النجاح. و أنا مقتنع بأن العرب حققوا تقدماً عظيماً منذ جيلين. ففي الثلاثينات كانوا تحت رئاسة الآخرين و هم الآن أرباب مصيرهم.لا أقول إنهم نجحوا في كل مشروع و في كل موضوع.. و أنا لا أريد أن أتدخل فيها، غير أنك لو طلبت مني تلخيص إحساسي بالتاريخ العربي بعد الاستقلال أو ما نسميه"زوال الاستعمار"لوجدتَ أن المسافة التي تقدم فيها الشعب العربي تختلف من مجتمع إلى آخر، و كذلك الخبرة العلمية و النظرية الاجتماعية و السياسية. و أرى أن التوجه الاشتراكي هو الأقرب إلى النجاح.
س/ ما أهمية إعادة كتابة التاريخ العربي؟
ج/ إن فيه ما هو سليم، و حسب طبيعة التوجه و المسؤولية في إصلاح الأخطاء.. و علينا الانتباه إلى أن الصفاء التام ليس بإنساني، لا فردياً و لا اجتماعياً. علينا أن نرسخ الجانب السليم و الصافي في الدأب على هذا المشروع. فمن الصعب ذكر جانب و السكوت عن جانب آخر، و حين أكتب تاريخ العرب لا أبني التاريخ بكلامي بل بالتزامي و صدقي و خبراتي.
س/ أخيراً.. بعد كتبك المهمة: العرب من الأمس إلى الغد، مصر من الامبراطورية إلى الثورة، تحرر العالم، الإسلام أمام التحدي.. ما هو كتابك المقبل؟
ج/ الإسلام و الزمان العالمي.