الأعمال الشعرية للأب الشاعر يوسف سعيد

الأعمال الشعرية للأب الشاعر يوسف سعيد

عرض: شاكر مجيد سيفو
يقترح الأب الشاعر يوسف سعيد في مقدمة كتابه الشعري"الموت واللغة" بيروت 1984"قراءة مفتوحة للنص الشعري الذي يتحول عنده الى كتلة لغوية وهاجة تنبني وتشتعل في نفس اللحظة بالشعرية المدفونة في اعماق اللغة الشعرية التي تتدفق بانثيالات لا تحصى..يقول:

"هذه مجموعة شعر؟. أتراه نثـراً؟ سيان عندي أتريده قصائد؟ لا أعترض. أعرف شيئاً واحداً، هو أنني كتبته في حالات شاعرية، خاصة بي لا أستطيعها كل وقت. أحياناً تجد البيت حكمة. وأحياناً تجد أبياتاً مقفاة، ومتناقضات، وهروباً، وهرولة كل هذا انفعال في أعماقي. أما الهروب، من فكرة إلى ثانية فلأن في الهرب عطاءً جديداً، ونفسي في تهويمه مضطرب.. الصور تتزاحم على الشاشة، تريد أن تستمر أمامي على الورق وأنا أحشرها بعصبية فتأتي في نظر القارئ كالحملان المذعورة تندفع من أعلى الجرف، إذا ما حوصرت من الذئاب. وقبل مسح المداد أقول: إن لمجموعة الموت واللغة قصة..
كانت تربطنا بالمرحوم رئيف خوري الأديب الفذ، صداقة عميقة. وكان رئيف إنساناً، حيا في إنسانيته، عظيماً في تعبيره، ذا رسوخ في الأدب.. وفجأة غيبه الموت، وكأنني بموته وجدت أشياء جديدة في عالم الموت. وعشت في جوف دوامة أربعين يوماً، وأربعين ليلة أكتب ما يعصره المجهول عليَّ... وولدت هذه المجموعة، تجربة تحاول أن تتجاوز الموت باللغة..!"تراني وقفت أمام الجدار أم اخترقته"الصدقة تكشط جلدها الأخضر إضمامة من الأعوام العتيقة تتجدد تفور على نفسها تغلي أقدامها في مرجل تخشو شب، ثم تموت في تابوت اليبس تختنق في بحيرة القمر تنبت على أخامص الربيع رعشة تجتر أياماً."في ديوانه الاخر"ويأتي صاحب الزمان قصيدة"السويد 5/11/1986ويأتي صاحب الزمان. في كفن الأسطورة الوردية، جففت كلمات إنجيل المحبة وقلت لقافلة القديسين، هل اللحظة، في بؤبؤي عين النجف العذراء، قلادة، وسادة، سبحة من شيخ؟.. ومن قناديل لها ضوء أخضر، سربلت جدائل المدينة، بأشعة زرقاء، ومسحت عن كاهلي، كلمات نيري السميك: وقلت للفتى الغرير يا صاحب الزمان، توجت هامتكم بإكليل الشهادة، وجذبت كتلة بيضاء، من نور، تسربل نبض النبوءة ترقط الأحرف الزرقاء، فجوات من بهاء،.. تريد أن تحمل على قماشة بيضاء كلمات تعازيك، إلى كربلاء."
ومن ديوانه الاخر"طبعة ثانية للتاريخ بيروت-"1987إيماءات
"انعكافات نهرية داخل أزمنة مهرولة فوق جسر الذهول. صبير يفتح درباً في صدر الفضاء ليحلب أثداء متدلية جلد معبأ باسفنجة بحرية. ومن ديوانه الاخر:الشموع ذات الاشتعال المتأخر بيروت-1988
الموصل
فيها نار تتقمص روحاً كبريتية، فيها حضارة متباعدة، يلمع اسفينها الأخضر كحجرة ساقطة من نيزك صبائحها، تتقمص لون البنفسج. في جناحيها، هزة رجراجة، كمطر كسول. الموصل.. غاباتها تداعب حشرات لامعة، جدرانها تتنفس رحيق الطحالب. أهدابها الوردية تستقطر خلاصة رحيق الزعفارن، الموصل، اخصاب مبارك، الموصل، دائماً محجة لاسراب الشكارك، والفختيات والكوكختي تطير في نهارات صيفية معتدلة.. الموصل، لها كب يتقعر لاحتساء لون القثاء."ويسافر بعيدا"السفر داخل المنافي البعيدة قصائد-1993

شهادة
"ذهب الجنة في شعر يوسف سعيد بقلم فاضل العزاوي"
يبدأ الأب الشاعر يوسف سعيد ديوانه الجديد"السفر داخل المنافي البعيدة"بنشيد عن طفولته في مدينة الموصل. نشيد هو أشبه بالحلم، يشمل الديوان، ينبثق من مخيلة تستعيد أشباحاً تطعم المساءات البعيدة بـ"ذهب الجنة". هذه القصيدة التي تختصر نصف قرن من حياة الشاعر تمزج الزمان كله وتطلقه مثل نهر هادر في قصيدة تقوم على هذيان الذاكرة، حيث"قصائد الهذيان الأكبر حتماً تترف مليون فكرة سعيدة"كما يقول الأب يوسف سعيد. والهذيان هنا هو أن ترفع الرقابة عن العقل وتدع الروح تعول أو تعوي أو تغني، كما تشاء خارج الأقفاص الكثيرة التي يقيمها العالم باستمرار.
وهذا الشعر القائم على عفوية القول والذي تتوالى فيه أكثر الصور غرابة هو في الوقت ذاته سلّم الشاعر إلى الحقيقة الأعمق في الكون والحياة. ها هنا تلتقي العفوية السوريالية الشطحات الصوفية، ضمن نسيج خاص، يوحد بين اللغة الدينية برموزها الميثولوجية ولغة الحياة اليومية: خميرة واحدة ويتحول خبز عشيرتنا إلى جرار معبأة بدم الحياة. هذا المزج بين السوريالية والصوفية يتداخل عند الشاعر يوسف سعيد بقوة أخرى، تتمثل في شهوانية عميقة للحياة، تقوم على رموز تشير وتومئ وتوحي من بعيد: هل ستأتي امرأة الحي إلى ديارنا؟ هل سترقص عارية قرب سرير من الجوز؟ كل القصائد مليئة بقلق وجودي يفتك بقلب الشاعر. ها هو يجلس وحيداً في منفاه"مراقباً ولادة الضوء في هياكل المجرات البعيدة".
وما يمكن للشاعر أن يفعل سوى أن يطرح أسئلة، لا يعرف أجوبتها، لماذا رحلاتي داخل المنافي البعيدة؟ أو: لماذا تلبس شيخوخة عمي سروال الغروب؟ أو: هل في أسفار الله نقاط حبر؟. إنه هنا لا يبحث عن أجوبة. وهل توجد أجوبة عن أسئلته؟ ما يهمه هو نشيد روحه الملتاعة والحاشرة أبداً: يأتي الليل وحدي أتفرس صمته طارداً أفاعيه عن سفينتي التي أتعبها البحر.
في كل شعر الأب يوسف سعيد حب للعالم وإنسانية عالية بعيدة عن جذورها الروحية وبراءة رؤياها. هنا لا يضفي على موضوعه أي طابع أيديولوجي، ولكنه في الوقت ذاته يرى تعاسة الناس، يرى الفقر الذي طارده في طفولته ويدين كل من يرغم الشاعر على الصمت: من يقتل شعراءنا يحذف مليون حكمة من دفتر الشرائع. ولكن الشعراء يقتلون كل يوم، وفي كل مكان، تماماً كما قتل الجلادون ذات مرة الذي جاء لينقذ العالم من شروره. إذا كان الشاعر هو صورة عصرية للنبي القديم فإن الجلاد هو نفسه، الآن وفي الماضي: وعندما تتم عملية الصلب بحذاقة يعرف الجلاد جيداً كيف ينزّ حزن الدموع عن عقل الجسد. ومن ديوانه الاخر

سفر الرؤيا
وهو الأخير من أسفار العهد الجديد قصائد وانطباعات 1994
كلمة عابرة
هذا السفر هو السفر المقفول، والموصد والمغلق، وتأويلاته لا تعد ولا تحصى. وأرقامه تشبه زوبعة بحرية وعندما تقرأ باقي الأسفار كأنك السالك في طريق صحراوي تعرفه أرباب القوافل. وإذا سلكت فيه، فما عليك إلاّ أن تنظر إلى العلى: فترى سماء زرقاء وآفاقاً بعيدة وإذا جاء الليل. ففي سيرتك الطويلة تكتشف نجوماً متحركة، متقاربة وأحياناً منفصلة. لها أنفاس تصدر عن جسدها وكواكب خضراء ودروب التبانة كضربة فرشاة في وعاء المحبرة الكبيرة. سفر يأخذك إلى عوالمه السحيقة وتستشف أنظارك خيالات جميلة واشراقات رائعة، بعض من درسه أراد حذفه كلياً من أسفار الفلك وبعضهم عطف على نصفه. وآخرون لم يجدوا فيه مبتغاهم.

الفصل الأول
لأنك كنت وستكون مصدر الآباء والآزال، بدايات لا نهاية لها الملاك قادم، وبيده اليمنى رسالة الرسول يوحنّا مردداً"طوبى لمن يقرأ قصائد، ويقرأ شعراً". وهنيئاً لمن يحفظ أبياته، ويراقب من كوة سفينته مسيرة الأزمان. حيث منائر كثيرة لشعائر القبلة، والذوبان في حليب ثدي العذارى. الكاروانات وحدها تلاحق قافلة الشفق المنفصل والمقتطع من كوكب الصباح. جداولنا ينابيعها لا تنضب والأشجار الخضراء تعطي أوراقاً دائمة لا حياة للأيام والشهور في فصولها.
وكتابه الأخير كان:فضاءات"الأرض التراب السماء الماء"

قصائد ستوكهولم-1999
الأرض
الأرض تحمل بين طيّاتها السفلية رعشة أبدية زمهريرها يمتص من أحشائها النمو تفتح أبواب مصاريع الأبدية تعبر مواكبها نحو ذخائر الظلمة آخر ملحقات شرائح الحديد وتراب الفضة والقصدير.
السماء
سماء بقربها تنحني عروش أزمنة متلالئة بشموع من مجرات أفلاك عوالم أخرى... سماء جواهر لأزمنة براقة في بطون الأرض.. سماء دهور متلاحقة مخثّرة بغمر من رواشح روحي الكلية.. سماء ذات رموش فضية.. على مناكبها تستريح أجنحة مخثرة.. نسجتها آلهة العناصر بمغازل صمتها.. وحدها آلهة الشعر ذات تقليعات خاصة، تحرك مادة الشعر في بواطننا..
الماء
هل تندحر الظلمة صوب الغمر لتكتسح أعماق خليقة الماء؟ الماء لغة السماء.

ممسوحة بدماء حروف الروح
قصائد شعر للأب يوسف سعيد سودراتاليا-السويد-2009
ممسوحة بدماء حروف الروح
أحياناً أتوسّد ذاكرة ضحلة، يدي تتحرك ببطء حاملة شيئاً من شموخها القسري زارعة إياه على طريق سنديانة خضراء تعود مجدداً مع أجنحتها، الستة تحصي إهليجيات قمر حزين، هناك أقاليم وأقانيم يستثنى منها –الروح الكلية- تعود مع أجنحة الصلاة الستة لتكشف عن أقاليمها السبعة.

أسلحة خاصة بمتاريس الروح
زراعة الشعر
تصغ إطلاقاً لما يقال عن"الشعر"وموته. اطمئن فإن الشعر لا يموت، الشعر كالزهرة تذبل أوراقها، وتذريها الرياح. أما بذرتها فتبقى في اخدود الأرض وعندما يأتي ربيع الحياة، تلبس وترتدي قميص حياتها من جديد... وتولد ثانية بذات اللون والقامة والشكل. جسمها في الأصل من"حبة"مجرة مثل القمح فهو من حبة، وكل الفسائل من حبة، وكل شيء ينبت في الأرض من حبة أو من عروق الشجر.
والشعر بكل طاقاته وأفعاله ونمو حركاته من حبة الشعر، والشعر حبة، يراها الله من عاطفة الشعر الذي لا يموت، فهو من مجد أبدي يتكون، ويتدفق ألواناً وروائح في أزليته الأبدية.

المطر
مطر هتون يغسل الأرض بزوفاه المستقطرة من أثداء الغيوم فوق شعفات الحبال، مطر كوميض دقائق ساعات الزمن يأتي في حينه وأوانه ومن المطر ينبجس الرعد من أحشائه ويقفز بنقاطه الدافئة فوق سجادة الحلم الكبير مطر يغسل الأرض بدموعه ويرطب بأنفاسه أخاديدها وخدودها.

إصدار المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية
/أربيل/عنكاوا