أمارتيا سِن في الكرادة

أمارتيا سِن في الكرادة

علي حسين
بعد الإنتهاء من العمل في الصحيفة، قررت أمس ان اذهب باتجاه مقهى"ابو زهراء"في ارخيته، في مدخل الكرادة داخل التقيت الأحبة قيس حسن وفاضل النشمي، وكل منهما يحمل كيسا من الكتب، فعرفت انهم كانوا في مقهى وكتاب، وان هناك كتب جديدة لابد من معرفة عناوينها.. ودعتهم بعد حديث سريع عن الصحافة ومشاكلها، لأتوجه الى المقهى، فالمح الصديق الدكتور نصير غدير يخوض"حوارساخن"مع الصديق الروائي احمد سعداوي، بعد قبلات محبة وسلام سريع ذهبت بإتجاه "كهوة وكتاب".،

دخلت الى المكان الذي يعج بالاصدقاء اشار لي عارف الساعدي فانتبهت لوجود باقة زاهرة من الأحبة، ولأنني جئت من اجل الكتب استاذتنهم وذهبت باتجاه المكتبة لأعثر على كنز، كتاب جديد لعالم الاقنصاد والفيلسوف الهندي"أماريا كومار سِن"الكتاب بعنوان"العقلانية والحرية"، وكنت قبل هذا التاريخ بسنوات قد قرأت عددا من كتب هذا التنويري، ابرزها كتابه الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة" "التنمية حرية"بترجمه شوقي جلال واعادت الهيئة المصرية للكتاب نشره ثانية.
كان ذلك الكتاب اول لقاء معرفي لي مع هذا الكاتب الذي حصل على جائزة نوبل للاقتصاد عام 1998 لعمله المتميز في"اقتصاد الرفاه"وهو فرع من فروع علم الاقتصاد يهتم بالجمع بين الرفاه الاقتصادي والقيم الأخلاقية والإنسانية. في"التنمية حرية"يطرح سِن عددا من الأفكار ابرزها تاكيده على ان ممارسة الحريات المدنية والسياسية يجب ان تكون جزءا من الحياة الاجتماعية للشعوب، لانها في النهاية تؤدي الى الرفاهية الأجتماعية، القضية المهمة الثانية التي يتناولها هي دور الديمقراطية في دعم متطلبات الاقتصاد والتنمية، فهو يؤمن ان فكرة الحاجات الاقتصادية ستعطي للناس فرصة للتعارف والتعاون وتبدل الاراء والمنافع.
الكتاب الثاني الذي حصلت عليه بعد مدة من الزمن هو كتاب"الهوية والعنف"الذي صدر ايضا عن منشورات عالم المعرفة الكويتية، وفيه يضع"سِن"اصبعه على الجرح الذي لانزال في العراق نعاني منه، واعني به"الطائفية".. ففي الكتاب يؤكد"سَن"ان :"علينا أن نضع في أذهاننا أنّه ليس قدرا محتوما على أي منا و لا على شعب بعينه أن يكون أسير هويّة واحدة.و أنّه ليس من حق أيّة جهة سياسية أن تسطو على مصير شعب ما و أن يختزله في هويّة واحدة". ويصر على ان كل منا"يمتلك انتماءات متمايزة كثيرة و انّ بامكاننا أن نتفاعل بعضنا مع بعض بطرق مختلفة كثيرة بغضّ النظر عمّ يقوله لنا المحرّضون". هذا الكتاب أنصح كل من يهتم بالشان الثقافي والمعرفي في العراق ان يطلع عليه ليعرف كيف :"يمكن لهويّة ما أن تقتل..و أن يكون قتلها ذريعا"وان اختزال المجتمع في هويّة واحدة، قد يؤدي الى الكثير من المجازر الدموية، مثلما حصل في العراق خلال السنوات الماضية.
الكتاب الثالث الذي اسعدني حظي للطلاع عليه لهذا الفيلسوف، هو كتاب"فكرة العدالة"والذي يناقش فيه فكرة العدالة من خلال منظور اقتصادي وفلسفي، ولعل هذا الكتاب لايزال يجد صداه الواسع في معظم المؤتمرات حول العدالة الاجتماعية و الفقر والتنمية، وفيه يرى"سِن"ان العالم لكي يتعامل مع المجاعات والكوارث البيئية، وموت الملايين بسبب الامراض والجوع، والتلوّث البيئي، فإنه لا يحتاج إلى نظرية فلسفية مثالية للعدالة. ما يحتاجه هو الانخراط في وضع الخطط والقوانين والسياسات الأكثر عدالة للجميع.
اعود الى مقهى ابو زهراء وانا فرح أحمل بيدي كتاب سِن"العقلانية والحرية"فاجد نصير غدير واحمد السعداوي يواصلان نقاشهما حول ما فعلته احزاب الاسلام السياسي في العراق. وعندما ينتهي النقاش يغادر احمد المقهى، وينضم الينا الدكتور كريم شغيدل. يثير الكتاب انتباه نصير غدير، وما ان يقرأ اسم المؤلف حتى يبدأ كعادته"الموسوعية"في الحديث عن المؤلف الذي اكتشفت ان نصير قرأه بالانكليزية قبل سنوات وانه كتب عنه دراسة مطولة. الحديث مع نصير غدير ممتع ولا يتوقف عند موضوع واحد، ولانه قارئ من الطراز الاول، فانت معه بالتاكيد ستنتقل الى موضوع آخر، فالحديث عن سِن والفلسفة الاقتصادية والاجتماعية اخذنا الى كتاب توماس كون"بنية الثورات العلمية"، ولانك مع نصير غدير لاتتفاجأ بعدد الكتب التي قرأها، ولا كم المعلومات التي يتحدث بها، ولهذا وجدت نفسي اخوض نقاش ممتع عن كتاب كوين الذي قراه نصير بالانكليزية ايام دراسته للدكتوراه. ومن كوين الى مدني صالح الى حديث سريع عن الصاحب بن عباد والنثر العربي، انتبهت الى ان الساعة قاربت الحادية عشر ليلا.. ابدى لنا كريم شغيدل بأريحيته المعهودة استعداده ان ينقلنا كلٌ الى بيته، ولأننا انا ونصير من بقية"المشائين"قررنا الاستمتعاع بهواء بغداد وتكملة الحوار"مشيا"حتى انتبهنا على صوت شاب يقول"تريدون تاكسي". فحشرنا أجسادنا في"السايبا"..ألم أقل لكم ان بغداد جميلة.