جائزة بولتزر الادبية تمنح لرواية (جميع الاضواء التي لا نستطيع رؤيتها)

جائزة بولتزر الادبية تمنح لرواية (جميع الاضواء التي لا نستطيع رؤيتها)

ترجمة احمد الزبيدي
اعلن عن فوز رواية (جميع الاضواء التي لا نستطيع رؤيتها) للكاتب الامريكي انتوني دويرر (ولد عام 1973) بجائزة بولتزر الادبية لهذا العام.
تدور احداث الرواية في المانيا وفرنسا قبل واثناء الاحتلال الالماني لفرنسا ابان الحرب العالمية الثانية،بطلة الرواية فتاة فرنسية يتيمة الام تدعى ماري- لور يبدأ بصرها يضعف تدريجيا الى ان تصبح عمياء كليا، ،ونتعرف ايضا في الرواية على الفتى الالماني وورنر بفيننج وشقيقته جوتا اللذين عاشا يتيمين في مدينة زولفراين الالمانية ،

كان وورنر فتى في السابعة بشعر ابيض مثل الثلج،وكان موهوبا في العلوم وخصوصا علوم اللاسلكي فقد كان باستطاعته تصليح وتركيب أي شيء.
حين تبدأ احداث الرواية في باريس عام 1934تكون ماري-لور في السادسة من العمر،حيث كانت تعيش مع( بابا) والدها الذي كانت تحبه حباً جماً،كان والدها يعمل كصانع اقفال وحارس في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي ،الذي تخبئ خزائنه على مدى 200سنة، جوهرة ثمينة عبارة عن ياقوتة بحر زرقاء تميل الى اللون الرمادي تتوسطها بقعة حمراء ،وكان يطلق عليها اسم( بحر اللهب).
والد ماري كان مخترعا بارعاً ،فقد صنع على سبيل المثال مجسمات صغيرة لطيفة جداً،للشوارع والبيوت في باريس،وقد ساعدت تلك المجسمات ابنته ماري- لور على تعلم كيفية التنقل في باريس باستخدام حاسة اللمس بدلا من حاسة البصر، وكانت تحب قراءة الكتب بواسطة طريقة بريل،فقرأت روايات ديكنز باهتمام ،وكتب جول فيرن و داروين ،و قرأت بتشوق كتابي جول فيرن(حول العالم في ثمانين يوما)و(عشرون الف فرسخ تحت سطح البحر)وكتاب داروين (رحلة على متن السفينة بيغل).
اما موهبة الفتى الالماني وورنر فقد جعلته محط اهتمام النازيين ،فتم ارساله الى مدرسة قومية لتدريب الموهوبين لاعدادهم كنخبة منتقاة للخدمة في الرايخ الالماني الثالث،وكانت اساليب التدريب في هذه المدرسة قاسية جداً،واجزاء الكتاب التي تتحدث عن الفترة التي قضاها وورنر في المدرسة ،والمصير المؤلم لصديقه فريدريك الذي تعرض لمعاملة فضّة وخشنة،هي من افضل اجزاء الرواية،ويستقصي دويرر في ذلك الجزء برفق وتمهل مسألة ( كيف أمكن للافرادالالمان العاديين ان يفعلوا ما فعلوه)
في عام 1940تهرب ماري لور مع ابيها من باريس ويلجأون الى المدينة الساحلية سان مالو في منطقة بريتاني في القنال الانكليزي،وقد عهد الى والدها أمر الجوهرة (بحر اللهب) ، اما عبقرية الفتى الالماني وورنر فمكنته من ان ينجح في ان يدخل الى العمل اجهزة تتبع البث اللاسلكي عبر روسيا واوربا الوسطى،الى ان يتم ارساله الى سان مالو حيث كان عم ماري الاكبر ايتينييه، يستعمل جهازه للارسال اللاسلكي لصالح المقاومة،و يدمر قصف سلاح الجو الامريكي سان مالو ،بعد مضي شهرين على الانزال الجوي للحلفاء على الساحل الفرنسي.
في روايته هذه قام دويرر بتشييد صرح عظيم لرواية تصف بشكل اخّاذ اشياء كثيرة، المنجزات والاختراعات المذهلة للعالم الميكانيكي والتكنولوجي والطبيعي،القواقع والرخويات ،مخلوقات الارض والسماء،خصائص الاحجار الكريمة والفحم،جميع المعجزات التكنولوجية التي تبناها الالمان والتي تتحول الى مصدر اعجاب،كما في التفاصيل الدقيقة لعمل موجات اللاسلكي ،و البيانات والمعلومات التي تتدفق عبر الاثير ،والتي تقدم وسيلة بديلة لتسخير كلا من العلم والخير الموجود في الطبيعة البشرية.
تركز احداث الرواية على شخصيتين رئيسيتين،الفتاة الفرنسية العمياء والتي تنخرط في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي،والفتى الالماني الموهوب وورنر والذي يخدم في الرايخ الالماني ،ماري-لور مخلوقة واعية بشكل رائع،وقد تم تصوير فقدانها البصر بشكل مقنع،اما حبها لابيها ذلك الحب المتأصل والراسخ فقد جعل من قصتها اكثر جمالاًواكثر واقعية،وبالرغم من ان الفراق قد كتب عليهم غي نهاية المطاف ،فنحن نبقى نستذكر والدها دانييل لابلان لانقاذه ابنته من شعورها بالعجز و بالشفقة على الذات،وبمجرد ان غادرها ،فان ثقتها بنفسها ،التي زرعها فيها اباها،قد جعلتها تواصل المسير بشجاعة واصبحت فيما بعد مصدر الهام للاخرين،وفي كل مرة كانت مدام رولي تضع لها مع الخبز قصاصة ورق فيها ارقام مشفرة لتوصلها لعمها ايتيينيه،حتى يرسلها باللاسلكي ،كانت الفتاة تقوم بواجبها بهدوء شديد،وكانت مدام رولي دائما تقول لها(انت فتاة مدهشه).
اما حكاية وورنر ،فكان يتعلق جانب منها بمعاداة شقيقته جوتا للفاشية باخلاص سوف تصحح في النهاية مسار اخيها الاخلاقي المعيب،في بداية الرواية نرى انها هي اول من يكتشف سلك النحاس الذي سيسمح لهما بالاستماع الى الاذاعات الاجنبية،(كانت جوتا بعد الصلاة ،وبعد انطفاء الاضواء ،تتسلل الى كوة اخيها،في دار الايتام ،وبدلا من الرسم سويةً،فانهما يجلسان متلاصقين يستمعان الى الراديو حتى منتصف الليل وحتى الواحدة والثانية فجراً،تمتعه بعبقرية هندسية جعلت وورنر يحرز النجاح تلو الاخر،وقد استطاع الحصول على قبول في المعهد السياسي القومي للتعليم ،واصبح الابن المدلل للاساتذة،وتمكن من اختراع جهاز للتنصت على موجات البث اللاسلكية لقوات العدو (لم يستطع ان يتوقف عن التفكير بشقيقته جوتا والتي لم تتكلم معه منذ ان اكتشفت انه حطم مذياعهم،كانت عيناها تقول :لقد خنتني ..ولكن الم يفعل ذلك من اجل حمايتها؟في الحقيقة نعم ..فقد كان الاستماع الى الاذاعات الاجنبية جريمة يعاقب عليها القانون ايام الحكم النازي.
كل من سمع بهتلر لن يندهش من الطبيعة الاجرامية لكل ما يدرّس في المعهد القومي للتعليم،وعلى هذا الاساس كان طبيعة ما تعلمه وورنر في المعهد هي ذات نزعة اجرامية قاتلة،كان صديقه الوحيد هو فريدريك ،فتى حالم يميل الى دراسة علم الطيور وكان يعاني من ضعف في البصر ،وهذا يحتم ان يكون غير مؤهلاللتفوق العرقي الذي نادى به النازيون،لكن من حسن حظه انه كان يحفظ عن ظهر قلب مخطط العين الذي يختبر فيه عن قوة البصر لدى الانسان مما مكنه من اجتياز فحص البصر،وكان يقول لصديقه وورنر (اراد ابي ان اكون في المعهد وامي كذلك ولا يهم ماذا اريد انا،مشكلتك يا وورنر انك لا زلت تعتقد ان لديك حياتك الخاصة) وحين يرفض فريدريك المشاركة في احد الاحتفالات السنوية في المعهد يتم تعذيبه وقتله بوحشية.
وحين تعطي مشاركة ماري –لور في المقاومة معنى لحياتها فان حياة وورنر تفقد كل معنى لها تدريجياً خصوصا في الفترة المهمة من حياته حين يغادر المعهد متوجهاً الى الجبهة الشرقية،والمقارنة بين حياتهما اعطت للرواية قوة هائلة ،وقام المؤلف ببراعة ببناء الاحداث وتسلسل تطورها حتى قدم لنا حكاية رائعة .
ورغم كل الملاحظات التي ابداها النقاد حول الرواية واسلوب المؤلف الا انها تبقى رواية عظيمة ورائعة عن ايام الحرب العالمية الثانية ،وعن حياة البشر ومصائرهم في تلك المرحلة التاريخية المهمة من عمر البشرية.
عن الغارديان