إيان فيلمنغ خلافاً لبطله جيمس بوند..كاتب متواضع ودقيق وملتزم بضوابط الحرفة

إيان فيلمنغ خلافاً لبطله جيمس بوند..كاتب متواضع ودقيق وملتزم بضوابط الحرفة

ترجمة / عادل العامل
يمكن لكتاب (الرجل ذو الطابعة الذهبية ــ رسائل إيان فليمنغ عن جيمس بوند)، وهو من تحرير فيرغوس فليمنغ، أن يتخذ عنواناً بوندياً على نحوٍ متخيَّل، لكن إيان فليمنغ Ian Flemming في الواقع قد طلب لنفسه يوماً طابعة أو آلة كتابة مموَّهة بالذهب كمكافأة على إنهائه كتابه الجيمس بوندي الأول"كازينو رويال"، عام 1952، وفقاً للناقد الفني نيكولاس باربر في عرضه هذا.

ذلك أن فليمنغ (1908 ــ 1964) الذي نتوصل إلى معرفته في رسائله ليس ذلك الشاب المغامر خارج رواياته ما بين حفلات الكوكتيل والغوص بجهاز تنفس تحت الماء في جامايكا، وإنما الحِرَفي الدؤوب الذي يدقق في كل جانب من نشر أعماله والارتقاء بها. بل أنه يكتب إلى ناشريه ليبلغهم بأخطاء الطباعة، بأسلوبه المهذب الرشيق، والصلب مع هذا:"أرجو التفضّل، في سياق طبعات لا تُعد ولا تُحصى من ‘كازينو ريال‘، التي ستتدفق كما أفترض من مطابعكم، بتصحيح خطأ لافت نوعاً ما في صفحة 96، السطر 13، وجعله..".
لقد كانت الإشارة الساخرة إلى"طبعات لا تعد ولا تحصى"نصف ممازحة فقط. ذلك أن فليمنغ لم يصف كتبه أبداً بكونها أي شيء غير تسلية عادية، إلا أنه لا يدري لماذا لا ينبغي أن تكون من الكتب الأفضل مبيعاً. فكما كان يصر على محرره،"هناك فراغ ينبغي ملؤه وأنا لا أدري لماذا لا ينبغي أن نملأه... وهكذا سترى أنني حصان مستعد لذلك جداً وآمل فقط في أن تكون لاسطبلي الحماسة نفسها!"
والشكوى المتكررة لمؤلفي القرن الحادي والعشرين هي أن هناك من يتوقعون منهم أن يقضوا وقتاً في الترويج لكتبهم بقدر ذلك الذي يقضونه في تأليفها، لكنهم لا يمكنهم إلا بالكاد أن يفعلوا أكثر مما كان يفعله فليمنغ قبل 60 عاماً. فنجده يقوم، في رسالة بعد أخرى، بمداهنة الصحافيين الأميركيين على أمل أن يكتبوا عرضاً نقدياً، ويطارد دار نشر جوناثان كيب للتأكد من من أن كتبه قد أصبحت في المكتبات، ويوجز حملاته الإعلانية التي كانت جزئياً ممولة ذاتياً.
وما تغيرَ منذ أيام فليمنغ هو أن المؤلف يمكنه الآن أن يفحص أية تفصيل عارض على الأونلاين، في حين أنه كان يكتب بانتظام للخبراء بشأن النقود والسيارات، طالباً منهم بأدب مواصفات تقنية و أسماء ذات صوت رومانسي في هذا الشأن. وكان مراسلو فليمنغ يحبون أن يحددوا الأمور غير الدقيقة والمتضاربة في كتبه، ويكون هو في أقصى حالات تحببه في ردوده الطيبة المزاج على انتقاداتهم. ويسأل أحد المعجبين: "لماذا نُقل مكتب م M’s office من الطابق التاسع إلى الثامن؟"فيكون رد فليمنغ اللطيف في حد ذاته قصة قصيرة:"لقد أعيد ترقيم الطوابق حين جُعل طابقان واحداً للتكيف مع معدات كبيرة جداً لمركز اتصالات جديد. والطابق العلوي الآن هو الثامن".
وإذا لم يكفِ ذلك، يلجأ إلى الإقرار المازح بالخطأ:"سوف تدرك، بالطبع، أني، في كتابة سيرة حياة جيمس بوند، أكون معتمداً بالكامل على ما يخبرني به، فإذا كان ملتبساً بكلامه في بعض الأحيان، خاصةً في مسألة التواريخ، فإني أفترض أن لديه أسباباً أمنية صوتية لتشويشي".
وما هو أكثر إثارة للدهشة فيما يتعلق بهذه المبادلات أن فليمنغ لا يرحب فقط بتثمينات المعجبين به، بل ويطلب منهم أن يتوسعوا في ذلك، قائلاً:"إن المؤلف مهتم على الدوام بمعرفة هذه الأمور من قرائه، وإذا كان يسلّيكم أن تسجّلوا في مئتي أو ثلاثمائة كلمة ما تحبونه وما لا تحبونه عن كتبي، فسوف أرسل لكم في المقابل نسخة موقّعة من آخر كتاب لي، (من روسيا مع الحب)، الذي سيظهر خلال ثلاثة أسابيع تقريباً". وكما يبدو فإن الرجل الذي حصل على آلة الكتابة الذهبية كان له قلب ذهبي أيضاً. وهذه المجموعة الملهمة، التي حررها ابن أخيه، فيرغوس فليمنغ، يمكن أن تكون فقط شريحة من مراسلات ("رسائل جيمس بوند") لكنها إلى حد كبير انعطافة كأي واحدة من رواياته، ولها طابع أكثر مركزيةً وقبولاً وسخاءً.
وقد مات فليمنغ في عام 1964 وعمره 56 عاماً، وهكذا لم يعش ليرى الهوَس العام بجيمس بوند يصل إلى الارتفاعات التي كبر معظمنا معها. لكن اثنين من أفلام 007 أطلقا للعرض في فترة حياته، وكان الثالث قيد الإنجاز. وبالرغم من الإشاعة القديمة القائلة بأنه أراد أن يقوم بالدور الرئيس هنا الممثل كاري غراند، فإنه استحسن الاختيار النهائي ــ شين كونري. وهو ممثل جيد، ولو أنه كان غير معروف كثيراً، وساحر حقيقي، مثلما هو فليمنغ"الرجل ذو الطابعة الذهبية".

عن / The Economist