التحولات السيكولوجية في الانتخابات العراقية  من سيفوز في عام 2014؟

التحولات السيكولوجية في الانتخابات العراقية من سيفوز في عام 2014؟

قاسم حسين صالح
هل تتوقع ان الكتل الفائزة التي شكّلت الحكومة العراقية الحالية ستفوز ايضا" في الانتخابات التشريعية المقبلة عام 2014، ام ان قوى سياسية جديدة ستفوز ويتغير الحال؟
ان الذي سيحسم الموقف هو الحالة السيكولوجية للناخب العراقي التي سيكون عليها عام 2014. ومع ان السياسيين لا يرون ما نراه، الا ان صحة توقعاتنا لنتائج انتخابات 2010 تقدم الدليل

على ان العامل السيكولوجي يلعب دورا مؤثرا في تحديد صوت الناخب العراقي لخصوصية طبيعة الشخصية العراقية ولأن الموقف السيكولوجي هو مستخلص تفاعل القيم الأخلاقية والدينية والاقتصادية (المصالح). ففي انتخابات(2005) كان انفعال (سيكولوجيا الضحية) هو الذي جاء بأكثرية شيعية واكثرية كردية للبرلمان العراقي السابق. وفي انتخابات (2010) كان انفعال (سيكولوجيا الاحتماء) هو الذي جاء بتشكيلة البرلمان الحالي..وكلتاهما تتعلقان بالحالة النفسية للناخب العراقي، الاولى ناجمة عن شعور (الضحية) بالحيف، والثانية ناجمة عن بارانويا الطائفية السياسية..التي أجبرت الناخب على اعطاء صوته لأبن طائفته او عشيرته أو قوميته ليحميه من استهداف الآخر له، حتى لو كان هذا (الأبن) غير جدير بأن يكون عضو برلمان ،ولم يعطه لآخر من طائفة أو عشيرة أو قومية أخرى كان أكفأ وأنزه وأجدر منه.ولقد نجم عن تشكيل حكومات ما بعد التغيير ان تراجعت الثقافة الوطنية (الشعور بالانتماء للعراق) لصالح ثقافات الولاءات الفرعية على اختلاف عناوينها ومسمياتها،أشاعتها ثقافتا(سيكولوجيا المظلومية) و(سيكولوجيا الاحتماء).
وما حصل في العراق يشبه اللامعقول،وتندهش أن سبب كل هذه "اللامعقولات" هو أن العراق صار في السنوات الثمان الماضية ليس دولة بالمفهوم السياسي،لأن النخب الحاكمة بكل طوائفها وانتماءاتها ومسمياتها،لا يوجد لديها "الايمان بدولة"..فالواقع يدلّك على وجود "دويلات" تمثلها مؤسسات حكومية..ولك أن ترى الاختلاف كبيرا بين وزارة وأخرى.
ولقد نجم عن غياب مفهوم الدولة أمران خطيران:تراجع مفهوم الشعور بالهوية الوطنية الذي يوحّد الناس في انتمائهم للوطن لصالح تقوية مفهوم الهويات الطائفية والقومية والدينية التي تفرّق المجتمع بحكم طبيعتها التعصبية،وانشغال النخب الحاكمة بمصالحها الشخصية واهمال قضايا الناس واعتمادها اسلوب "الترضية" في تقاسم الثروة التي تسدّ الأفواه ما دام الكل يتنعم..وهذا هو الذي أدى الى الفساد وجعل العراق افسد دولة عربية بعد الصومال ورابعها في العالم..ولم تتخذ اجراءات فاعلة لايقافه ومحاسبة الفاسدين والمفسدين الكبار..الذي يعدّ أحد أهم أسباب عدم رضا العراقيين عن حكوماتهم بعد التغيير. حتى الحكومة الحالية (2011) التي أطلقت على نفسها حكومة الشراكة الوطنية صارت في الواقع حكومة (شراهة) وليس (شراكة) ،والا ما تفسيرك عن اضطرار رئيس الوزراء لأن تكون بأربعين وزيرا فيما الحكومة المصرية بعشرين وزيرا ونفوسها ثلاثة أضعاف نفوس العراق؟!.وما تفسيرك عن سكوته على الفساد ما لم تكن الدولة نفسها قد تورطت فيه فاضطرها تورطها الى أن تكون راعية له!! ؟
والواقع أن (لا حق ) للعراقيين في عدم رضاهم عن حكومتهم الحالية وسابقتها ،فالبرلمانان السابق والحالي، جاء بهما جماهير شعبية شكلّت بحدود 60% من الشعب العراقي، تحكّم بأصوات غالبيتها المطلقة العاملان السيكولوجيان اعلاه..الناجمان كلاهما عن وعي متخلف.
ولهذا يصح القول: كيفما يكون الوعي لدى الناس تكون السلطة. ولأن هذه الجماهير كان وعيها (مخّدرا") بمنومات الطائفية والعشائرية والقومية (وكلها بالضد من مفاهيم الديمقراطية)، فأنها لم تكتشف خطأ (بل خطيئة!) ما قامت به الا بعد ان استيقظ وعيها..فعظوا اصابعهم البنفسجية وصاروا من النادمين!.
وواقع حال كهذا(تصريح الناس علنا بأنهم ندموا على ما فعلوا) يغري بأن يجعلك تتوقع انهم لن يعيدوا انتخاب من انتخبوهم وخذلوهم، وان قوى جديدة ستأتي لبرلمان 2014... فهل هذا هو الذي سيحصل؟
تسونامي العرب
ان التظاهرات والاحتجاجات في العراق ما كانت لتحصل لولا تسونامي العرب الذي هبت رياحه الكاسحة من تونس الى مصر،وبدت طلائعه في (4 شباط 2011) بمدن الشعب والحسينية والكريعات وشارع المتنبي..والديوانية..ثم التي تعرفونها.وما كانت هذه لتحصل في زمن واحد لولا وجود قاسم مشترك يوحّد هذه الشعوب الثلاثة هو: انعدام العدالة الاجتماعية..التي هي بأسوأ حالاتها في العراق. فاعلى نسبة للبطالة في تونس بلغت 14% فيما ترواحت في العراق بين 60% الى 27%.وهو يتقدم على تونس ومصر في الفساد اذ هو صار في زمن الحكومة السابقة ثاني أفسد دولة عربية. ولم تعمل الحكومة الحالية على معالجته، وما استجابت لمطلب المتظاهرين بتشكيل محكمة من قضاة مستقلين لمحاكمة الفاسدين بدءا بالحيتان الكبيرة،ولم تبرّأ نفسها حين هتف الناس علنا:( فلوس النفط للشعب مو للحرامية).وما كان للسيد رئيس الوزارء ان يعلن في (5) شباط تنازله عن نصف راتبه ،تبعه السيد رئيس الجمهورية بالفعل نفسه.أقول ،ما كان كل هذا ليحصل لولا تسونامي العرب،لأسباب يلعب فيها العامل السيكولوجي الدور الأكبر،المتمثل تحديدا بأن العراقي (أدمن) نفسيا على التكيف للمصائب وتحمّل ما لا يطيقه البشر!.
فالعراقي عاش حروبا وحصارا وفواجع متلاحقة على مدى 31 سنة لم يلتقط فيها انفاسه سوى سنة واحدة هي 1989.ولهذا فان الشخصية العراقية خطّأت علم النفس والنظريات النفسية التي تتفق كلها على ان هنالك حدّا لقدرة العامة من الناس على التحمّل اذا ما تجاوزه فانه اما ينهار نفسيا او يصبح مجنونا او ينتحر. اذ لا يعقل ان يتحمّل بشر حروبا كارثية وحصارا يأكلون فيه الخبز الاسود ثلاثة عشر عاما فيما الذي كان السبب ياكل لحم الغزلان المطّعم بالهيل..ثم يرى الأهل والأحبة يذبح بعضهم بعضا لأسباب تافهة والضحايا بمئات الالآف من غير ان يجزع او تزهق روحه!!.غير أن العراقيين كانوا مع كل هذه المصائب والفواجع والمحن..يحمدون الله ويشكرونه..وتندهش لرؤيتك لهم يذهبون في الصباح الى مجلس فاتحة لصديق أو قريب تطاير جسده اشلاء بعبوة ناسفة ليعزّون ويحزنون ،ويذهبون في مساء اليوم نفسه الى حفلة عرس لصديق أو قريب آخر ليغنون ويرقصون!.
ان التعود على المصائب كالتعود على التدخين او شرب الكحول..كلاهما يؤدي الى الأدمان. غير ان الادمان النفسي على المصائب يكون أقوى لأن مصدره قوة تقع خارج الانسان وتشعره بالعجز أمامها..وليس له الا أن يستسلم لها ممنيا النفس بأن الفرج يأتي مع الصبر، ومبررا ما يحصل بسيكولوجيا القدر..ويحمد الله " الذي لا يحمد على مكروه سواه "..مع أن هذا المكروه مصدره أخوه الانسان وليس الله سبحانه.
وحصل أن حكومات ما بعد التغيير واجهت قوة ارهابية رهيبة دعت الى اسقاطها وتأسيس (دولة العراق الاسلامية)،تعاونت لاحقا مع (البعث الصدّامي) فأشاع كلاهما الخوف لدى المواطن العراقي من مجيء حكم (طالباني) أو عودة الدكتاتورية .وأزاء ذلك،فرض عليه الواجب الوطني ان يصبر على تقصير الحكومة بحقه لكي تتفرغ الى دفع الخطر الأكبر عنه وعن الوطن.
ومع تراجع حجم ذلك الخطر ،فان الحكومة ظلت تعزو تقصيرها لهما (الارهاب والبعث)،مضاف له صراع المصالح بين مكوناتها،الأمر الذي أوصل العراقي الى ان يكون هو الأفقر في المنطقة ومدنه هي الأسوأ في العالم برغم أن ميزانيته تعادل ميزانية خمس دول عربية مجتمعة بينها اثنتان نفطيتان!.
وسبب سيكولوجي لعدم اهتمام الحكومة بأحوال الناس، شعورها بالأمن النفسي كونها شريكا في معاهدة أمنية موقعة مع أكبر قوة عالمية..أميركا..ومتكئة عليها بقواعد داخل الوطن وليس عبر المحيطات!.واعتقادها (الحكومة) أن الشعب مهما فعل لن يستطيع اسقاطها وأن امريكا،المعروفة بأن لا صديق دائم لها غير مصالحها، ليس لها بديل سياسي عراقي تضع يدها بيده وتسحبها من سياسيين لهم توجهات اسلامية لا ترتاح لهم في سرّها.
لهذه الأسباب الثلاثة: الادمان النفسي للعراقي على التكيف للمصائب وتحمّل ما لا يطيقه البشر ، وشعوره بخطر القوى الارهابية التي توعدت بتأسيس (دولة العراق الاسلامية) والقوى الأخرى الساعية لعودة الدكتاتورية ،وشعوره باليأس من تغيير الحال وأنه لا حول ولا قوة له أمام أمريكا..فأن العراقيين ما كان لهم أن يخرجوا شاهرين أصواتهم في الشوارع لولا أن شهر التونسيون والمصريون أصواتهم ونجحوا ليس في تحقيق (أرحل) بل واسقاط النظامين ايضا!.

عن: موقع صوت العراق