كيف تأسست القوة الجوية العراقية؟

كيف تأسست القوة الجوية العراقية؟

اعداد/ ذاكرة عراقية
تعد القوة الجوية العراقية من اعرق المؤسسات العسكرية في مجال اختصاصها في المنطقة, ويمكن القول انها الاولى على صعيد الدول العربية, اما قصة تأسيسها فبدات في صباح الثاني والعشرين من نيسان عام 1931 عندما حلق في سماء بغـداد اول سرب من طائرات الجبسي

موث الانكليزية الصنع، بقيادة اول مجموعة من الطيارين العراقيين المتخرجين من كلية الطيران الملكية البريطانية (كران ويل كوليج) في انكلترا، وهبط السرب في معسكر الوشاش لعدم وجود مطار عسكري او مدرج جاهز لهبوط الطائرات بعد في بغداد, وكان الملك فيصل الاول واخيه الملك علي وولي العهد الامير غازي, واركان الدولة في مقدمة المستقبلين, واعتبر هذا اليوم منذ ذلك التاريخ عيداً لتاسيس القوة الجوية العراقية, والطيارين الخمسة هم (محمد علي جواد, موسى علي، حفظي عزيز،ناطق محمد الطائي، اكرم مشتاق)، ليشكل هؤلاء الطيارين الخمسة الاوائل اول رف طيران عراقي.
وبدات رحلة الطيارين الخمسة من لندن طيراناً مروراً بباريس, ميلانو, زغرب, اسطنبول, انقرة, حلب والرمادي وصولاً الى بغداد في 22 نيسان 1931, وكانت الرحلة قد بدات في الثامن من نفس الشهر, فكانت اول واطول وحتى اجرأ رحلة طيران عسكري للقوة الجوية العراقية في تاريخها, وهؤلاء الشباب الخمسة ,اضافة الى ناصر الجنابي الذي عاد براً الى العراق في بداية نفس العام ولم يشترك الرحلة الجوية، هم من طلاب المدرسة الحربية الملكية (سميت الكلية العسكرية في عام 1939 ) ، باستثناء حفظي عزيز و اكرم مشتاق, الاول كان من طلاب الثانوية المركزية في بغـداد، والثاني التحق منفرداً للتدريب في بريطانيا وبعدها انضم الى الطيارين الخمسة عند وصولهم الى انكلترا , مع العلم ان هناك احد الطلاب قد التحق مع الوجبة الاولى , وكان موظف مدني في احدى الدوائر الحكومية لكنه لم يوفق في الدراسة وعاد الى العراق, واسمه بشير يعقوب, وافدوا الطلاب إلى انكلترا تحديداً للدراسة في كلية الطيران الملكية البريطانية ( كران ويل كوليدج ) ،وبدؤا الدراسة فيها في ايلول من عام 1927 لمدة عامين، وكان إرسالهم من ضمن بند في معاهدة الصداقة العراقية البريطانية لسنة 1922 والموقعة عام 1924، والتي تقضي بتأسيس سربين للقوة الجوية العراقية، لكن الانكليز لم ينفذوا المقترح لغاية عام 1927 .ويذكر حفظي عزيز وهو احد الطيراين الخمسة ان نوري السعيد زار الاعدادية المركزية في بغداد وخاطب طلاب الصف المنتهي بقوله: ( جلالة الملك فيصل الاول, يسلم عليكم ويقول من منكم يريد ان يصبح طياراً.!؟) ، وفي ذلك الوقت لم تكن الطائرة شيئاً مألوفاً في سماء العراق، ويضيف, فرفع اثنا عشر تلميذاً ايديهم من اصل خمسين فقال نوري السعيد انه سيرسل سيارة لاخذ الراغبين بالتطوع الى معسكر الهنيدي ( معسكر الرشيد فيما بعد ) من اجل الفحص الطبي،.
في عام 1932, تم ارسال وجبة ثانية للتدريب ,ضمت كل من الملازمين سامي فتاح و محمد ياسين, والطالب ناجي ابراهيم, والتحقت هذه الوجبة بكلية سيلاند في انكلترا, واثناء تدريبهم تم ارسال الوجبة الثالثة الى مدرسة الطيران البريطانية في كرانثم, وضمت الملازمين ارميا ناصر ورؤوف بهجت, وعادت الوجبتين سوياً في العشرين من نسيان 1933 بقيادة محمد علي جواد وسامي فتاح وارميا ناصر ومحمد ياسين, لينظموا الى اقرانهم السابقين ويتم تشكيل اول سرب طيران عراقي متكامل.
تشكل السرب الاول من طائرات ( جبسي موث، وبس موث) انكليزية الصنع، وكانت مهمات السرب محصورة بالخدمة العامة والموصلات؛ حيث كانت طائرات ( جبسي موث ) بطيئة وغير فعالة في القتال ولم تكن مسلحة اصلا, وفي نفس العام تم تأسيس مدرسة الطيران وعين الملازم موسى علي أول آمراً لها . وفي عام 1933 حصل العراق على طائرات ( دراغون ) الانكليزية، ذات المحركين والثمانية مقاعد وخصصت للسرب الثاني وكانت تستعمل لااغراض المواصلات والنقل, وتكررت نفس الرحلة للطيارين الخمسة الأوائل الذين قادوا الطائرات الجديدة من بريطانيا الى بغـداد مرة اخرى، وفي عام 1935 أضيفت للخدمة طائرات مقاتلة جديدة من نوع ( اوداكس الانكليزية )و ( دوغلاس الامريكية )، وبعد انقلاب الفريق بكر صدقي عام 1936 والذي كان العقيد محمد علي جواد في وقتها كقائد للقوة الجوية من المساندين الاقوياء له ,وكان للتقارب الذي حصل بين حكومة الانقلاب وايطاليا الفاشية مردود ايجابي على القوة حيث زار وفد من وزارة الدفاع يضم وزير الدفاع انذاك عبد الطيف نوري ومحمد علي جواد قائد القوة الجوية, ايطاليا لغرض شراء 15 طائرات قاصفة جديدة, فتم الاتفاق على شراء طائرات ( بريدا وسافويا ) الايطالية الصنع وأصبحت القوة الجوية تتألف من ثلاثة أسراب من الطائرات.
وفي عام 1939 تم تشكيل اول سرب قاصف عراقي , وهو السرب السادس الذي سلح بطائرات سافويا الايطالية القاصفة, وجدير بالذكر ان الملك غازي الذي تولى الحكم من ايلول 1934 الى نيسان 1939 كان طياراً ماهرا ويهتم بالطيران العسكري, لذلك نرى ان القوة الجوية العراقية تاسست وازدهرت بشكل سريع ومهني وهي ماتزال في عقدها الاول.
وفي عام 1940 قام العراق بشراء 15 طائرة دوكلاس امريكية الصنع شكل بها السرب السابع, وشحنت هذه الطائرات بالبحر, وبعد فترة شحنت الاسلحة الخاصة بها لكن بريطانيا المنزعجة من شراء العراق طائرات امريكية وهو تحت وصايتها احتجتزت الاسلحة في البحر ومنعت وصولها للعراق.
وبحلول عام 1941 أصبح للقوة الجوية العراقية سبعة أسراب، تضم 127 طيار و116 طائرة تتوزع مهامها بين التدريب والنقل والقتال .
وكانت حسب الترتيب الاتي:
1- السرب الاول في قاعدة الموصل ويضم 9 طائرات اوداكس
- السرب الثاني في معسكر الرشيد ويضم 7 طائرات دراغون وهي مخصصة للمواصلات والنقل
3-السرب الثالث في معسكر الرشيد, ويضم 7 طائرات اوداكس
4-السرب الرابع في قاعدة كركوك ويضم 7 طائرات كلاديتور
5-السرب الخامس في معسكر الرشيد ويضم 15 طائرة بريدا
6-السرب السادس في معسكر الرشيد ويضم 4 طائرات سافويا, وهو اول سرب عراقي قاصف
7-السرب السابع في معسكر الرشيد ويضم 15 طائرة دوكلاس.
وكان معسكر الرشيد مقرا للقوة الجوية، والذي استلمه الجيش العراقي من الجيش البريطاني عام 1938 وكان يعرف بمعسكر( الهنيدي)، ولكن تعرض المعسكر للفيضانات المستمرة اعوام 1942 ،1946، وأخرها فيضان 1954، جعل القوة الجوية تنتقل الى الموصل بعد فيضان 1946 ، وكما اسلفنا كانت الفترة من عام 1931 ولغاية 1941 من افضل الفترات التي ولدت وازدهرت فيها القوة الجوية , حيث اشرف عليها في البداية محمد علي جواد وبعد مقتله مع بكر صدقي في الموصل عام 1937 تولى الزعيم اسماعيل نامق الاشراف على القوة الجوية, وبعدها العقيد محمود سلمان وبعد احداث مايس 1941 , تولى سامي فتاح المهمة, لكن القوة الجوية العراقية اصيبت بانتكاسة كبيرة اثناء وبعد احداث حركة مايس 1941 التي ساند فيها العقداء الاربعة رشيد عالي الكيلاني في محاولة استيلائه غير الموفقة على السلطة, واعتقاده ان بريطانيا بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية التي لم تكن في صالحها في تلك الفترة وميلان كفة النصر لالمانيا النازية, ستقوم بالتفاوض وتستبعد التدخل العسكري لاعادة الوصي ومن معه الى الحكم, خصوصا وان حكومة الكيلاني كانت تنتظر مساعدة المانيا النازية التي لم تحسن التدخل ودعم حكومة الكيلاني وبقت علاقتهما سرية, ورغم ذلك كان للقوة الجوية موقف مشرف في حرب مايس وتصديها للطيران الانكليزي الذي يفوقها بنوعية التسليح والعدد, لكن قصف العديد من الطائرات العراقية و تدمير حزء كبير من البنية التحتية للقوة الجوة الجوية وخصوصا المدارج والمخازن العسكرية كان سبب في تراجع هذه القوة وتطلب الامر اعادة بنائها وهيكلتها من جديد .
واثناء الحرب العالمية كان من الصعب الشروع باعادة بناء القوة الجوية, وفي عام 1946 تمكن العراق بعد التفاوض مع بريطانيا من الحصول على سربين من طائرات (فيوري), ووصلت هذه الطائرات في اواخر عام 1947 واوائل 1948, وفي نفس العام شارك الجيش العراقي في حرب فلسطين وكانت مهمة القوة الجوية المساندة, فاتخذت من مطار المفرق في الاردن مقرا لحركاتها وكان لها دور فعال في دعم الجيش العراقي والاردني في القتال.
في عام 1950 تأسست كلية القوة الجوية العراقية والتي سميت أول عهدها (بكلية الطيران العسكرية الملكية ) ،وفي مايس 1955 تسلمت الدولة العراقية قاعدة (الشعيبة ) في البصرة من الانكليز وعام 1956 تسلمت قاعدة (الحبانية) في احتفال رسمي حضره الملك فيصل الثاني، وبين أعوام 1950 و1958 دخلت القوة الجوية أنواع حديثة من المقاتلات مثل (الفيم ) وهي أول طائرة نفاثة تدخل العراق في عام 1953، وطائرة( الفامباير_2 ) وسلح بها السرب الأول، وطائرة (الهنتر) المقاتلة النفاثة للهجوم الأرضي، وسلح بها السرب السادس.
وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958, وتاسيس النظام الجمهوري كان اتجاه تطوير وتسليح القوة الجوية قد اتجه نحو دول اوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي خصوصا, فدخلت للخدمة طائرات مثل الميغ 15 والميغ 17والميغ 19,والسوخوي و وكانت لهذه الطائرات دور كبير وفي مشاركة القوة الجوية في حرب حزيران 1967 على الجبهة المصرية والاردنية، وفي حرب 1973على الجبهتين السورية والمصرية.
ام اللون الازرق الغامق الذي يتميز بلسبه افراد القوة الجوية فقد اقترحه اللواء الطيار سامي فتاح للتميز عن بقية اصناف الجيش العراقي المعروف بارتدئه اللون البيجي والخاكي, واستمر تطور هذه القوة خلال فترة السبعينات والثمانينيات وحصلت على طائرات مثل الميغ 21 الروسية , والميراج 2000 الفرنسية , وبسب الاعتماد الكبير على القوة الجوية خلال الحرب العراقية - الايرانية توسعت هذه القوة بشكل كبير ووصل تعداد الطائرات في عام 1989 بجميع انواعها الى 950 طائرة.