روزا لوكسمبورغ.. من كتاب الثورة الروسية

روزا لوكسمبورغ.. من كتاب الثورة الروسية

ترجمة: مازن كم الماز
يقول لينين (في الدولة و الثورة: الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية) " الدولة البرجوازية هي أداة لقمع الطبقة العاملة , أما الدولة الاشتراكية فهي أداة لقمع الطبقة البرجوازية ". يقول أنه إلى درجة معينة فإن الدولة الرأسمالية فقط تقف على رأسها. تفوت هذه النظرة المبسطة الشيء الأكثـر أهمية: أن حكم الطبقة البرجوازية لا يتطلب التمرين و التثقيف السياسيين لمجموع جماهير الشعب ,

على الأقل ليس أبعد من بعض الحدود الضيقة المحدودة. أما بالنسبة لديكتاتورية البروليتاريا فإنها مسألة حياة , الهواء نفسه الذي من دونه لا يمكنها أن توجد.
يكتب تروتسكي: " بفضل الصراع المباشر و المفتوح في سبيل سلطة الحكومة فإن جماهير العمال تراكم قدرا هاما من الخبرة السياسية في أقصر وقت و تتقدم بسرعة من مرحلة إلى أخرى في تطورها ".
هنا يفند تروتسكي نفسه و زملاءه. و لأن الأمر كذلك بالفعل فإنهم قد أعاقوا ينبوع هذه الخبرة السياسية و مصدر هذا التطور المتصاعد بقمعهم الحياة العامة! أو أنه علينا أن نفترض أن هذه الخبرة و ذلك التطور كانا ضروريين فقط حتى الاستيلاء على السلطة من قبل البلاشفة و عندها مع بلوغهما أعلى ذروتيهما أصبحا غير ضروريين فيما بعد. (خطاب لينين: لقد فزنا بروسيا إلى الاشتراكية!).
في الواقع فإن العكس هو الصحيح! إنها المهام الجبارة التي نهض بها البلاشفة بشجاعة و تصميم هي التي تتطلب أكثف تدريب سياسي للجماهير و مراكمة الخبرة.
إن الحرية فقط لأنصار الحكومة , فقط لأعضاء حزب واحد – مهما كان عددهم كبيرا – هي لا حرية بالمرة. إن الحرية دوما و حصريا هي حرية الشخص الذي يفكر على نحو مختلف. ليس بسبب أية فكرة متعصبة عن "العدالة" بل لأن كل ما هو تنويري , مفيد و مطهر في الحرية السياسية يتوقف على هذه الخصائص الضرورية , و لأن تأثيرها يختفي عندما تتحول الحرية إلى امتياز خاص.
إن البلاشفة أنفسهم لن يرغبوا , و أيديهم على قلوبهم , أن ينكروا أنه , خطوة فخطوة , سيكون عليهم أن يشعروا بأنفسهم خارج إطار الواقع , يختبرون و يجربون , يجربون طريقة بعد أخرى , و أن كثيرا من إجراءاتهم لا تمثل لألئ لا تقدر بثمن من الحكمة. لذلك فإنها يجب و سوف تبقى معنا عندما نصل إلى نفس النقطة – حتى لو أن نفس الظروف الصعبة لن تسود في كل مكان ربما.
إن الافتراض المستتر تحت نظرية لينين – تروتسكي عن الديكتاتورية هو: أن التحول الاشتراكي هو شيء توجد وصفته الجاهزة سلفا بشكل كامل في جيب الحزب الثوري , و الذي يحتاج فقط إلى وضعها موضع التنفيذ بنشاط. إن هذا لسوء الحظ , أو لحسن الحظ , ليست القضية. أبعد من أن تكون مجموعة من الوصفات الجاهزة التي تحتاج فقط إلى تطبيقها فإن الإنجاز الواقعي للاشتراكية كنظام اقتصادي و اجتماعي و قانوني هو شيء يوجد بشكل كامل مخبأ في غشاوة المستقبل. ما نملكه في برنامجنا ليس إلا معالم أساسية قليلة تحدد الاتجاه العام الذي علينا أن نبحث فيه عن الإجراءات الضرورية , و هذه الإشارات سلبية أساسا في طبيعتها هذه. لذلك فإننا نعرف تقريبا ما الذي علينا استبعاده في البداية كي نفتح الطريق أمام اقتصاد اشتراكي. لكن عندما يتعلق الأمر بطبيعة آلاف الإجراءات العملية المحددة تماما , الصغيرة و الكبيرة , الضرورية لإدخال المبادئ الاشتراكية إلى العلاقات الاقتصادية و القانونية و كل العلاقات الاجتماعية , لا يوجد هناك مفتاح في برنامج أو كتاب أي حزب اشتراكي. هذا ليس عيبا بل هو ذات الشيء الذي يجعل الاشتراكية العلمية متفوقة على نظيراتها الطوباوية.
إن النظام الاشتراكي للمجتمع يجب و يمكن أن يكون فقط نتاج تاريخي يولد من مدرسة تجربته الخاصة , يولد في سياق تحققه كنتيجة لتطور التاريخ الحي , الذي – تماما مثل الطبيعة العضوية و التي يشكل جزءا منها في التحليل الأخير – يملك العادة الجيدة بأنه ينتج دائما على التوازي مع أية حاجة اجتماعية حقيقية وسائل إشباعها , على التوازي مع المهمة في نفس الوقت الحل. لكن إذا كانت هذه هي القضية إذاً فمن الواضح أن الاشتراكية بحسب طبيعتها الحقيقية لا يمكن فرضها أو إدخالها بمرسوم من الأعلى. يوجد للاشتراكية و كشروط مسبقة عدة إجراءات قوية - ضد الملكية و غيرها. إن السلبي , التهديم يمكن فرضه لكن البناء , الإيجابي فلا يمكن. منطقة جديدة , آلاف المشاكل. فقط التجربة قادرة على تصحيح و فتح الطرق الجديدة. فقط الحياة غير المقيدة و التي تفور في آلاف الأشكال و المبادرات الجديدة , يمكنها أن تخرج إلى النور قوة جديدة خلاقة تصحح بنفسها كل المحاولات الخاطئة. إن الحياة العامة في البلدان ذات الحرية المحدودة هي مصابة بالفقر , بائسة , جامدة , مجدبة , خاصة لأنه باستبعاد الديمقراطية فإنها تقطع المصادر الحية لكل الغنى و التقدم الروحي (الإثبات: عام 1905 و الشهور بين شباط /فبراير و تشرين الأول/ أكتوبر 1917). هناك كانت هي سياسية بالتحديد , و ينطبق نفس الشيء على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية أيضا. يجب أن يشارك فيها مجموع كتلة الشعب. و إلا فإن الاشتراكية سيجري فرضها من وراء بعض المكاتب الرسمية من قبل حفنة من المفكرين.
إن الحكم الشعبي ضروري على نحو لا مفر منه. و إلا فإن تبادل الخبرات سيبقى محصورا فقط داخل دائرة مغلقة من موظفي النظام الجديد. سيصبح الفساد حتميا. (هذه كلمات لينين , النشرة رقم 29). تتطلب الاشتراكية في الحياة تحول روحي كامل في الجماهير التي تعرضت للانحطاط عبر قرون من الحكم البرجوازي. الغرائز الاشتراكية مكان الغرائز الفردية , مبادرة الجماهير مكان العطالة , المثالية التي تتغلب على كل معاناة , الخ , الخ. لا يوجد أحد يعرف هذا أفضل أو يصفه على نحو أكثر نفاذا , و يكرره بعناد أكثر من لينين. لكنه مخطئ تماما بالطريقة التي يستخدمها. المراسيم , القوة الديكتاتورية لمراقبي المعامل , العقوبات شديدة القسوة , الحكم بواسطة الإرهاب – كل هذه الأشياء ما هي إلا مسكنات. الطريقة الوحيدة للولادة الجديدة هي مدرسة الحياة الشعبية نفسها , أوسع ديمقراطية و رأي شعبي من دون قيود. إنها اليوم تحكم بالإرهاب الذي يفسد المعنويات.
مع إلغاء كل ذلك ما الذي سيتبقى؟ في مكان الأجهزة التمثيلية التي يتم تشكيلها بالانتخابات العامة الشعبية, اعتبر لينين و تروتسكي السوفييتات على أنها الممثل الحقيقي للحياة السياسية في الأرض عامة , كما أن الحياة داخل السوفييتات يجب أن تصبح مقيدة أكثر فأكثر. من دون انتخابات عامة , من دون حرية التجمع والتعبير غير المقيدة , من دون الصراع الحر بين الآراء, فإن الحياة ستموت في كل مؤسسة عامة , تصبح شيئا شبيها بالحياة , حيث تصبح البيروقراطية فقط وحدها العنصر الفاعل. تأخذ الحياة العامة بالنوم تدريجيا , فيما عدد قليل من قادة الحزب المفعمين بالطاقة التي لا تنضب و الخبرة الكبيرة تحكم و توجه. من بينهم في الواقع فإن عددا من القادة الأجلاء يقومون بالقيادة و تدعى نخبة الطبقة العاملة من وقت لآخر إلى اجتماعات حيث تهتف و تهلل لخطابات القادة , و لتوافق على القرارات المقترحة بصورة جماعية – في المحصلة إنها علاقة عصابة – ديكتاتورية , , و للتأكيد , فإنها ليست ديكتاتورية البروليتاريا بل ديكتاتورية حفنة من السياسيين , إنها ديكتاتورية بالمعنى البرجوازي , كما تعنيها حكم اليعاقبة (إرجاء مؤتمر السوفييتات من 3 إلى 6 أشهر!). نعم يمكننا أن نذهب حتى أبعد من ذلك: إن ظروفا كهذه ستؤدي لا محالة إلى جعل الحياة العامة وحشية: محاولات اغتيال , قتل الرهائن , الخ (خطاب لينين عن النظام و الفساد).