من اصدارات المدى.. أبو العلاء المعري  المنتخب من اللزوميات  نقد الدولة والدين والناس

من اصدارات المدى.. أبو العلاء المعري المنتخب من اللزوميات نقد الدولة والدين والناس

تأليف : هادي العلوي – سلسلة الأعمال الكاملة – 10-
الناشر : دار المدى ....... مراجعة : فريدة الأنصاري
ما المقصود بـ اللزوميات؟تأليف : هادي العلوي – سلسلة الأعمال الكاملة – 10-
الناشر : دار المدى ....... مراجعة : فريدة الأنصاري

في سنة 363هـ - 973م ولد في معرة النعمان في شمال سوريا أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، ليكون بعد سنين أحد أبرز فلاسفة وشعراء العصر العباسي،أثار ت نظرياته حول الدين والدولة والناس جدلاً كبيراً بين العلماء والباحثين من يومه حتى يومنا هذا، فتناولوا مؤلفاته بالدراسة والبحث،ومن بين تلك المؤلفات كتاب اللزوميات.
جميع هذه الأسئلة نجد إجابتها في كتاب الباحث هادي العلوي في كتابه هذا (أبو العلاء المعري " المنتخب من اللزوميات ") والذي دأبت دار المدى على إعادة طبعه بعد النجاح وسعة الانتشار في طبعته الأولى.
اللزوميات أو لزوم ما لا يلزم هي ديوان المعري،بناه بطريقة مختلفة عن البناء الشعري السائد في زمانه، فالتزم ما لا يلزمه في بناء القوافي،لمزاج خاص به كما يذكر العلوي في مقدمة الكتاب. واللزوميات هي أحد ديوانيين فلسفيين ثانيهما بعنوان " أستغفر واستغفري " يتألف من عشرة آلاف بيت وهي من كتبه المفقودة.
تحمل اللزوميات أفكار المعري تجاه الدين والسياسة وأحوال الناس،طبع عام 1915 في القاهرة مرفقة بشروح مبتسرة لا تعين القارئ لصعوبة فهم كلماتها. ولتيسير قرائتها وفهم معانيها عكف هادي العلوي على طبعها بهذا الشكل المميز مقتصراً على الأمور التي تهم العصر، وتستحق أن تنشر بين جميع الأوساط الثقافية،بقطع النظر عن زمانها ومكانها. وعليه عكف على أخذ ودراسة وتحليل ما تتضمنه من نقد للدولة والدين والمجتمع وآراءه وحكمه حول الطبيعة والحياة ونظام العالم، رغم علم العلوي أن هذا الاختيار لن يحسم مشكلة التواصل مع النصوص بسبب صعوبة اللغة التي كتبها المعري،مما حدا به لوضع منهج علمي يسهل المهمة على القارئ،وليكون مؤتمناً على النصوص والمفردات الأصلية، وضع - أي العلوي – تحت المفردة الأصلية ما يقابلها من مفردة تقارب المعنى أو مرادفة لها،وقريبة من لغة العصر الحاضر مع الشرح، رغم علمه بأن هذه الصيغة قد تكون ركيكة ولا تعكس أسلوب اللزوميات ولكنها كما يرى الأسلوب الأمثل لتوضيح أفكار ومفردات المعري. ولمنهجية التدوين والنقل وضع لكل ما أختاره من اللزوميات عنواناً مستمداً من مضمونه.
لفهم فلسفة المعري ومواقفه يسلط العلوي في القسم الأول من الكتاب على مراحل تطور الفكر الإسلامي وأثره على فكر المعري ونقده للدين والدولة والناس.
بعد أن يبين ارتباط الفكر الإسلامي بالقرآن ارتباطاً وثيقاٌ وكما يصفه " فهو كتاب الحضارة الإسلامية الأول " يسلط الضوء على تطور الفكر الإسلامي بعد اتساع المجتمع الإسلامي، مبيناً تباين الفكر في شعاب مختلفة، باحثاً في أسباب هذا التباين.ومن خلال ذلك يبن كيف أثر هذا التباين على توجه علماؤه وفلاسفته نحو المباحث المعقدة التي دفعتهم نحو منطق معقد إلا وهو المنطق اليوناني،وهذا نشأ كما يذكر العلوي في بيئة إمصارية تجارية مماثلة لا نجد لها مثيلاً في العصور السابقة أو في الدول النائية.والمعري بثقافته المتنوعة وشعريته وفلسفته صنع لنفسه كياناً منفرداً يستند إلى درجة خاصة من وعي الإرادة. وبريادة معارفه الكثيرة والعميقة استطاع تأصيل وعي الذات وصولاً إلى وعي الاختيار الارادوي، ليستغني عن السلطة السياسية وينقدها.
ففي نقده للدولة والسياسة طرح أموراً عديدة في لزومياته ورد الكثير منها في أوساط المعارضة والحركات الاجتماعية،ولكنه أنفرد عنها بطروحات يجسد فيها وعيه السياسي والاجتماعي الخاص به. فنقرأ ببعض اللزوميات وصفاً لأوضاع البلدان الإسلامية يكشف فيها عن الصراعات الدموية والمظالم ونهب أموال الناس. وفي لزومية أخرى يذكر بأن الملوك هم من يحتاجون إلى تأديب وليس الناس،وهذا يوجب إعطاؤهم عقول حتى يحكموا على أساس السياسة العقلية،ومن يحتاج إلى التأديب لا يصح تكريمه أو السجود له كما تفعل حاشيته.
وبوعيه الفلسفي استطاع الوقوف بوجه السلطة الدينية لينتقد الدين كايدولوجيا وشعائر،ويندد بسلوك المتدينين ورجال الدين، فهو لا يرى أي دور إيجابي لرجال الدين.فيورد نشأة الدين إلى مصالح فردية محدودة، حيث يقوم بعض الأذكياء المحتالين بصياغة عقائد وشعائر تجمع الناس حولهم وتمكنهم من استغفالهم،ليكونوا سبباً لجمع المال. " إذ استغل الكثير من الخلفاء في مصر وبغداد وحلب الفقهاء والدين كوسيلة لدعم سلطتهم وتبرير سطوتهم ".فهذا الموقف يعزوه العلوي إلى أوضاع الوسط الديني الذي عاصره وإلى اتجاه عام يحكم رأيه في السلوك البشري فتصرف كمؤيد متطرف للمذهب النفسي الذي يرجع جميع تصرفات الإنسان إلى الذاتوية جاعلاً من المصلحة الذاتية للفرد دافعاً لجميع تصرفاته وأفعاله.
وبوجه عام يمكننا الاستنتاج كما يذكر العلوي بأن نقد المعري لجميع الأديان يهدف منه التوعية الاجتماعية أكثر من السعي لتقديم تفسير فلسفي لأصل الأديان، فهو نقد معياري بالدرجة الأولى.
وبفضل أفق المعري الواسع الذي أبتعد به عن التحزب لفئة أو لطائفة أو أمة استطاع توجيه النقد لجميع فئات الناس، بمختلف مللهم ونحلهم.
فوعي المعري بالأشياء كما يصفها العلوي هو وعي كوني،فالمفارقات التي بدت له في نظام المجتمع البشري قد رآها في نظام الطبيعة، فعدوان الإنسان يتكامل مع عدوانه على الحيوان،كما الحال مع الحيوانات واعتدائها على بعضها، ومصدر هذه العدوانية هي تلك القوة جعلت كل شيئاً مسيراً لا مخيراً،وحكمت بقانون القضاء الأزلي على الأفلاك والبشر والحيوانات، فهي تسير وتتحرك بغاية مجهولة نحو غاية معلومة هي الهلاك المحتوم لكل البشر.
وهذه النظرة الإنسانية لم تكن بالمستوى ذاته تجاه المرأة،فلم يكن منصفا لها،رغم أنه هاجم بشدة الزواج الثاني، باعتبار أكثر ما يضر المرأة هي الضرة،لقد وقف من المرأة موقفاً رجعياً بدعوته إلى التشدد في حجابها،ومنعها من المشاركة في الحياة العامة، ودعى إلى عدم تعليمها القراءة والكتابة
يختتم المؤلف هذا القسم بتحليل آراء المعري تجاه الدين والسياسة والمجتمع ليصفه بالمثقف الكوني،يتميز بتكامل تكوينه الثقافي بين الذهن والذات،فقد تخلى عن السعادة الحسية في الدنيا ليبني له صورة عالم يحيا فيه الإنسان سيداً للجسد،لا أن يصبح في الآخرة عبد للجسد.ولكنه يعيب عليه موقفه من الزنج والقرامطة.
القسم الثاني من الكتاب يورد العلوي مختارات مميزة من نقد المعري للدولة والدين والمجتمع وفق المنهج العلمي.
فيقول في لزوميته عن التمايز الطبقي في الدين
بالخلف قام عمود الدين : طائفة
تبني الصروح وأخرى تحفر القلبا
القلب جمع قليب وهو البئر.
وعن الأمير والتقي يقول :
قالوا فلان جيد ٌلصديقه
لا يكذبوا ما في البرية جيد
فأميرهم نال الإمارة بالخنا
و تقيـم بصـلاتـه يتصـيد
ومن دراسة حياة المعري ولزومياته ونقارنها بحياة هادي العلوي التي حملت الصدفة اسم جدهما " سليمان " نجد التشابه الكبير بينهما، مما يمكنا القول بأن العلوي كان امتدادا للمعري رغم البعد الزمني بينهما.فالاثنان أثارت أفكارهما وآرائهما الفلسفية وطروحاتهما في الدين الكثير من الجدل، فالشك الذي راود المعري الشك ذاته الذي راود العلوي.وكما أعتزل المعري عن الناس أعتزل العلوي الأضواء ورفض الظلم، ورفض التقرب من أهل السلطة،حين تخرج من كلية التجارة والاقتصاد عام 1955 بتفوق رفض مصافحة الملك فيصل الثاني عندما وزع الأخير الشهادات على المتفوقين.وكان مؤمناً بالعقل أشد الإيمان وزاهداً بالدنيا كارهاً للعنف والظلم ليس بمطمع في الآخرة وإنما معياراً للمجتمع الصالح.وكما كره المعري أكل اللحوم فكان العلوي هو الآخر نباتي.