سيميولوجيا الممثل ..الممثل بوصفه علامة وحامل للعلامات

سيميولوجيا الممثل ..الممثل بوصفه علامة وحامل للعلامات

تأليف / أحمد شرجي
إصدار / صفحات للنشر والتوزيع ودار مكتبة عدنان
قراءة / عامر صباح المرزوك
يرسم هذا الكتاب له هدفا محددا في الكشف عن اشتغال الممثل / العلامة في العرض المسرحي، وبالتوقف عند حدود النظريات التمثيلية التي ساهمت في تطور الممثل والعملية التمثيلية وأهمية تلك النظريات عبر منتخبات مقصورة تتبع تطور الممثل / العلامة، لان صيغة العلاقة بين (الدال / المدلول) يمكن أن تطبق على أية وسيلة حياتية أو فنية، ما يتيح لنا معالجة سيميولوجيا لخطاب الممثل وإحالاته داخل المنظومة العلاماتية.

اقترنت سيميولوجيا المسرح بطروحات مدرسة (براغ) في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، حيث بدأ النظر إلى العرض المسرحي بوصفه منظومة علامات والممثل بوصفه علامة، وبما أن السيميولوجيا منهج لتحليل النص والعرض، فقد خضع العرض المسرحي لنلك المنهجية، وأشار فلتروسكي إلى أن القديس أوغسطين كان أول من أشار إلى العلامة من خلال الإيماءات والإشارات في عمل المهرجين آنذاك.
وبما أن الممثل أهم عنصر في العملية المسرحية، فانه يمثل العلامة الأكثر وضوحا، ويمكن قراءته من دون عناء، إزاء حضوره المادي المحسوس على خشبة المسرح، فقد احتفظ الممثل بسلطته المادية داخل العرض المسرحي، منذ المسرح الإغريقي إلى الان بقوة إحساسه ومشاعره، على الرغم من التطور الهائل في المسرح، ومحاولات تهميشه وإقصائه خاصة في مسرح القرن العشرين، ظل مهيمنا على الخشبة.
ويتساءل المؤلف: هل يمثل الممثل علامة في العرض المسرحي، منذ أن تعرفنا على المسرح عن طريق التراجيديات اليونانية؟ ويتفرع منه سؤال أخر: هل إن الممثل علامة في العرض المسرحي؟ وان كان كذلك فكيف اشتغل سيميولوجيا؟ ومن خلال هذه التساؤلات يعرف المؤلف بعد تعريفه للعلامة تعريفا إجرائيا بقوله: هي نتاج عملية شراكة اشتغالية ما بين الدال والمدلول، تمثل ذاتها، وتنوب عن شيء آخر غيرها.
طالما أن العرض المسرحي برمته منظومة علامات متعددة الأنساق، والعلامة تولد وتنمو وتموت مع الأشياء، أذن نشتغل العلامات لحظة امتداد العرض المسرحي ذاته زمنيا، ونعني الممثل بوصفه علامة، وحاملا للعلامات أيضا، فإننا نعتبر الممثل أيقونة (بوصفه شخصا عاديا) قبل ولوجه الخشبة، لكنه على الخشبة يتحول لعلامة والأخيرة ستلد علامات بوساطة الجسد تارة، وتارة أخرى بتفاعلها مع العلامات المحمولة (الأزياء، الديكور، الموسيقى، الإضاءة، الإكسسوارات).
يشكل النص الدرامي الأرض البكر لمختلف الأنساق العلاماتية التي يتشكل عليها نص العرض، ويعمل المخرج على تفكيك شفرات المؤلف، ومن ثم إعادة عملية تشفيرها مجددا، لتولد علامات يحملها نص العرض، وهذه العلامات في حقيقتها تأويلات ضمنية لخطاب العرض الذي أراده المخرج لنصه، وتنسيقه على شكل انساق علاماتية متنوعة يروم بثها للمتلقي، وسنلحظ هناك تأويل الممثل الذي لا يظهر متقاطعا مع تأويل المخرج أو تفسيره لكنه بالمقابل قد يختلف في تأويله للعلامات اللغوية بناء على قراءته الخاصة، ومن ثم تسير تلك التأويلات (المخرج + الممثل) داخل القنوات المختلفة التي يتشكل منها العرض.
لان العملية المسرحية بمجملها عملية اتفاقية، ولا يمكن أن يصدر العرض شيئا بعيدا عن تلك الاتفاقية، لكن هذا لا يعني إلغاء الدور الاعتباطي للدلالة إلغاء تاما، إذ تكمن الاعتباطية فيها بموضع اشتغالها في ذهنية المتلقي، بصيغة توضيحية أخرى، ويكون الدور الاعتباطي للدلالة مقتصرا على لحظة العرض، فمعها يتعامل الجمهور مع منظومة العلامات، وقدرة اشتغالها داخل ذهنيته.
وعليه فان الدلالة تحتفظ بقصديتها عبر آلية الاتفاق بين صناع العرض المسرحي وفي كل الأحوال يبقى المسرح عملا منظما اتفاقيا محسوبا بدقة متناهية بمجمل تشكيلات عناصره الأخرى، والا انتفت ضرورة البروفات اليومية، مع وجود فسحة الاعتباطية التي اشرنا أليها سلفا
أخيرا نبارك للمؤلف الفنان والناقد المثابر احمد شرجي انجازه المهم هذا في حقل سميولوجيا المسرح وبالتحديد عن (الممثل) بوصفه علامة وحامل للعلامات، لان هذا الكتاب قد سد فراغا في المكتبة المسرحية، لأننا بحاجة ملحة لمثل هكذا دراسات تهتم بالحقل السميولوجي، وتقدم حفرا نظريا في النظريات التمثيلية لتتبع وضعية الممثل، والتركيز على النظريات التي ساهمت في تطور فن الممثل.