دروب الجوع لجورج آمادو

دروب الجوع لجورج آمادو

رشا المالح
تعدأعمال الروائي البرازيلي جورج أمادو، الأكثر رواجا وشعبية لدى الشعب البرازيلي في القرن العشرين ومطلع القرن الحالي، هذا الشعب الذي أجمع على أن جورج أمادو هو الكاتب الذي تفرد في تصوير حقيقة واقع الإنسان البرازيلي العادي. ليس هذا فقط، إذ صُنف أمادو ضمن أهم الكتاب الذين ترجمت أعمالهم إلى أكثر عدد من اللغات في العالم،

فقد ترجمت رواياته إلى ثمانٍ وأربعين لغة وبيع منها ما يزيد عن 20 مليون نسخة ونشرت في 55 بلدا.
وجورج أو خورخي أمادو الذي ولد في 10 أغسطس عام 1912 في مدينة إيتابونا في باهيا، ودرس القانون في جامعة ريو دي جانيرو، نشر أول رواية له «أرض الكرنفال"حينما كان في التاسعة عشرة من عمره فقط، ليتبعها بواحد وثلاثين عملا روائيا، وقد ساعدت تلك الأعمال العالم الخارجي في رسم رؤية متكاملة لوطنه البرازيل حيث تناول في موضوعاته هموم مجتمعات الفقراء من الأفارقة البرازيليين والهجينين، كما أظهر تعاطفاً عميقا مع المرأة، وانتقد في بعض الأحيان الصورة التقليدية لدورها واستسلامها، كل ذلك في إطار ثقافة وفولكلور شعبه، من الفلاحين والعمال اليوميين في مزارع الكاكاو وغيرها، علما بأن العديد من أعماله حولت إلى أفلام سينمائية عالمية إلى جانب مسلسلات تلفزيونية محلية.
وقد ساهمت كل من روايتيه، «دونا فلور وزوجاها» و«الأرض العنيفة» في جعله مرشحا دائما لجائزة نوبل في الآداب، وإن لم يحظ بها وتمثلت بداية اهتمام النقاد في الخارج بأعماله، لدى نشره كلاً من رواية «أرض الكاكاو"في عام 1933 و«قباطنة الرمال.
وحينما أعدم زملاؤه في الحزب السياسي في عام 1947 لجأ إلى فرنسا حيث عاش مع عائلته، وعندما طلبت منه الحكومة الفرنسية مغادرة البلاد، توجه إلى تشيكوسلوفاكيا وعاش فيها من عام 1950 حتى 1952 ولدى عودته إلى البرازيل في عام 1955 اعتزل السياسية، وكرس نفسه للكتابة. وفي 6 ابريل 1961 تم اختياره عضوا في أكاديمية البرازيليين للمراسلة.

حاز على العديد من الجوائز كذلك على الدكتوراه الفخرية والألقاب من دول أروبية مثل إيطاليا وفرنسا واسبانيا، توفي أمادو بسكتة قلبية في سلفادور في شهر ميلاده من عام 2001 حينما كان في الثامنة والثمانين من عمره
تعتبر روايته «دروب الجوع» من أعماله القيمة التي لم تحظ في العالم الغربي بما تستحقه من اهتمام أسوة بأعماله الأخرى، وربما لكون موضوعها ينحصر في إطار عنوانها. وتلك الرواية تجسد إبداع أمادو في رصد حياة المزارعين البسطاء ومعاناتهم من خلال حبكة بسيطة تتمثل في الرحلة التي يجتازها سكان إحدى المزارع باتجاه حلم غير مضمون.
ومن خلال هذه الحبكة تتوالى أحداث الرواية لتصور تفاصيل وقائع وهموم الحياة اليومية لهؤلاء المزارعين البسطاء وذلك من خلال التحول الذي يطرأ على الشخصيات، فمن يسكنه حلم امتلاك أرض يعود نتاجها لعائلته يتحول إلى قاتل، والمرأة الكريمة الحكيمة تتحول إلى إنسانة أنانية، والفتاة البريئة إلى غانية وهكذا
كل هذا نتيجة تحكم فرد واحد بسكان مزرعة أو قرية، إذ بقرار واحد من المالك يؤول مصير عدد كبير من البؤساء إلى التشرد والتيه والدمار إن لم يكن الموت. ولا يغفل أمادو عن تصوير تلك الفئة من البشر التي ينحصر دورها كوسيط بين الفرد والأتباع، كما يبين دورها في تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب لمصلحتها الشخصية مستفيدة من الطرفين
تبدأ الرواية، باستعداد أهل القرية للاحتفال بعرس ابنة أحد الفلاحين، ويصور حماس الجميع وتطلعهم لذلك الاحتفال الذي بدا بمثابة عيد للجميع.

والوكيل آرثر الذي يمثل فئة الوسطاء، يشعر بالأسى لنفور العاملين منه بسبب وظيفته كوكيل للمالك، ويحاول دوما أن يكتسب ودهم مع تبريره الدائم لنفسه بأنه إنما يقوم بواجبه ليس أكثر أو أقل، وإن كان يتجاهل أمام ضميره استغلاله لهم بفرضه عليهم شراء احتياجاتهم اليومية من متجره بأسعار أعلى من السوق
أما فئة الفلاحين فتتمثل في كل من المزارع الشاب جريجوري وشريكه ميليتاو اللذين استأجرا أرضا بورا من المالك وحولاها إلى أرض خصبة غنية بالمحاصيل، وعائلة الجد جيرونيمو وزوجته جو كوندينا وابنهما وزوجته وابنتهما الشابة وابن عمها الذي ولج مرحلة الرجولة والابنة زيفا الممسوسة التي تأتيها نوبات تتحدث فيها بما يشبه النبوءات عن نهاية ودمار العالم
وأختها مارتا، إلى جانب أطفال ابنتهما البكر الثلاثة وأصغرهم لا يزال رضيعا في الشهر السادس حيث توفيت أمه خلال ولادته، وغادرهم والدهم دون رجعة بعد بضعة أشهر
وحينما يقبل الناس إلى عرس ابنة أتاليبا وهم يمنون أنفسهم بالفرح والرقص على أنغام الزنجي عازف الأكورديون الموهوب، يرفض جريجوري مرافقة شريكه للمشاركة في الاحتفالات، وذلك لكونه قد كرس حياته كلها للعمل وادخار النقود لشراء الأرض التي يزرعها ولطالما كان يردد لنفسه قوله، «لن أسمح لأحد بإخراجي من هذه الأرض، إنها أرضي أنا»
وعلى غير العادة يقرر الوكيل حضور الاحتفال سيما بعدما أخبروه بأن الألعاب النارية لن تطلق قبل قدومه، إلا أنه قبل مغادرة الدار يستلم برقية من مالك الأرض تزلزل كيانه وتضعه في حيرة من أمره.

وعندما يصل وتبدأ الاحتفالات والرقص على أنغام البولكا، لا يجد الوكيل مفرا من إخبار الجمع بالنبأ، وهو أن صاحب المزرعة قد باعها لمالك جديد يطلب إخلاء الأرض من جميع الفلاحين الذين عملوا فيها، وهكذا يتحول الفرح إلى مأتم، وبعد مغادرة آرثر يسمع الجميع طلقا ناريا، ويدركوا لاحقا بأن جريجوري قد حاول قتل آرثر، ويتنفسون الصعداء حينما يعلمون أنه هرب إلى الغابات ولم يتمكن أحد من الإمساك به.

تبيع عائلة جيرونيمو ممتلكاتها القليلة أسوة بأهل القرية، وتقرر النزوح إلى ساو باولو ذات الأرض الخصبة حلم جميع المزارعين، حيث يقال إن كل من يصل إليها يستطيع تملك الأرض التي يريدها، وتبدأ الرحلة سيرا على الأقدام، كان عليهم اجتياز منطقة كاتنغا المجدبة المليئة بالعقارب والثعابين والأشواك

يعاني أفراد العائلة في الطريق من المخاطر إلى جانب الجوع والعطش، ليغتالهم الموت واحدا تلو الآخر، ولا يصل منهم في النهاية إلى سرتاو إلا نصفهم، ومن هناك ركبوا السفينة للوصول إلى بيرابورا
وهي رحلة تستغرق خمسة أيام، مات خلالها الرضيع مصابا بالزحار. وعند وصولهم كان عليهم الحصول على شهادات طبية تثبت خلوهم من الأمراض قبل ركوبهم القطار للوصول إلى ساو باولو أخيرا

وفي هذه المدينة تتحول الفتاة الشابة الطيبة المحافظة إلى بغي لتعيل أسرتها وتدرأ عنهم الجوع وتمكنهم من السفر، إلا أن الوالد يتبرأ منها ويرفض وداعها في محطة القطار، وإن شيعتها والدتها بنظراتها الحزينة.

عن جريدة البيان الاماراتية