مورافيا في مواجهة خواء الفاشية..

مورافيا في مواجهة خواء الفاشية..

رياض الفهد
يمكن القول إن البرتو مورافيا كان واحداً من اشهر كتاب ايطاليا المعاصرين. وبدت بدايته المبكرة او بالأحرى صيرورته الثقافية تتشكل معها بداية خطاباً إيدولوجيا فكرياً ونقدياً من خلال كتاباته السردية في صناعة رواية عابرة للنمطية في تلك المرحلة التي بزغت فيها النظم القمعية التوتاليتارية وصعدت إلى السلطة في اوروبا إن كان في المانيا او ايطاليا او روسيا الستالينية

لهذا كان الفهم والتصور عند مورافيا وقد شخصه في أن الروائي يجب أن يكون شاهداً على عصره.
ولهذا تأتي روايته (إمرأة من روما) مترجمة لهذه الرؤيا من خلال قراءتي وأنا أتتبع في قراءة المسارات التي دشنت فضاءها السردي على وفق بناءات واشتراطات عمل عليها السيد مورافيا وقد وظف كل ادواته التقنية والاسلوبية والحوارات الداخلية ونسق اللغة والمعنى الرفيع الذي كان ناضجاً في هندسة مجريات تسلسل احداث الرواية إن كان على مستوى المعنى الظاهري او ما يمكن أن نسميه بالمضمر، الذي اراد الروائي أن يوظفه ويمرره في مضمون الثيمة او اختياره لشخوص الرواية ابتداءً من الراوي العليم الذي هو السارد الوحيد لهذه الحكاية التي تقمصتها بطلة الرواية تلك المرأة التي اختارت لنفسها أن تخوض في مستنقع الرذيلة والإنحراف في ظلال الفضاء الذرائعي الذي استحضره الروائي ببراعة فائقة في خضم هذا التشابك والصراع بين المجتمع الايطالي والايدلوجية الفاشية الحاكمة في زمن الطاغية موسوليني. ومن هنا تنطلق احداث الرواية. حينما تسرد المرأة الشخصية المحورية في هذه الحكاية ابتداءً من سن مبكر اذ تقول في عبارة تصف هذا الشروع (في السادسة عشرة من عمري كنت غادة من إطلالة الجمال) ص5، ويبدو من البدايات أن هناك عناية حاضرة في ذهنية السيد مورافيا في استحضار المكان تمثلت باختياره لمدينة روما العاصمة والتي تدور فيها كل الحوادث والوقائع وطغيان المشهد البصري لتوصيف صور الانحلال والميلان والفساد السياسي والأخلاقي والاجتماعي، جسده في شخصيته المحورية من خلال سيرة حياة إمرأة تعيش مع امها التي لاتتوانى في أن شارك ابنتها في احلامها وغاياتها ولكنها تصطدم بعقليتها الطفولية التي تؤدي بها إلى دروب الانحراف والبغاء ولكن بدافع ضاغط وحاسم الا وهو مناخ العوز والفقر وقد يكون شكلاً من اشكال الصراع الطبقي بوصفه ظاهرة اجتماعية خرجت من عباءة الفاشية والديماغوجية الموسولينية. اراد السيد مورافيا التعبير عنها وتوصيف جانب من سمات تلك المرحلة وعرض مشاهد لطوابير الفقراء وهم يتزايدون في زمن حكومة الطاغية حيث تتسع فيها الفجوة بين الفقراء والاغنياء في ظل هذه البانوراما السوداء تتنامى جبهة من المعارضة ضد هذا الاختلال الاجتماعي لكنه في طور السيرورة وما زال فاقداً للفاعلية امام ماكنة السلطة المتوحشة ولهذا تأتي تأكيدات مورافيا في رواية (إمرأة من روما) في تصوير رائع وساحر في ضرورة إماطة اللثام عن بواعث هذا الفساد الاجتماعي والأخلاقي والفكري وهو يطفو على سطح المجتمع الايطالي ولقطات الصراع التي رسمها لنا مورافيا من خلال هندسة حركة شخوص الرواية بمشاهد معبرة تصف تلك اللحظات القاسية بكل تفاصيلها الأليمة وأحزانها المريرة، لقد قدم لنا المؤلف مشاهد كاملة لمعاناة مجتمع مجروح من سلطة فاشية تدفع به إلى اقدار غامضة ومجهولة. ويبدو أن بطلة الرواية (ادريانا) كانت المحرك الرئيس للأحداث وشكلت بسلوكها وأفعالها الطفولية صدمة لمخيلة القراء حينما وضعت نفسها في موضع المرأة العاهرة وهي تعرض جسدها للرجال كبائعة هوى مقابل مبلغ من المال، ولم يكن راغباً الروائي مورافيا ان يضغ اجابات صريحة على اسباب هذا الانحراف المبكر لبطلة الرواية (ادريانا) بعد أن كانت عارضة (موديل) ولم تكن هذه الوظيفة يمكن أن تسد رمق عيشها مع امها وقد عبرت عن هذه الهواجس حينما قالت (وهكذا سارت الايام وبقيت اعمل موديلاً بالرغم من أن امي اصبحت قلقة ليس الا بسبب الكمية القليلة من النقود التي اجنيها من عملي) ص19، مع أن المرأة كانت تحلم أن تتزوج في ظل ظروف اجتماعية عصيبة وتريد أن تخرج من تضاريس العتمة الابدية التي تنطوي على نهايات غير مبصرة ويبدو أن السيد مورافيا صمم بناءه الفكري والفلسفي بناءً على حركة الصراع القائمة داخل المجتمع الايطالي ابان حكم الفاشية، ومنح في هذه السردية المبهرة فسحة كبيرة من الحراك الانساني الحائر من خلال بطلة الرواية (ادريانا) وبقية شخوص الرواية. لكن هذا لا يمنع من الاصطدام بين رؤيتين متصارعتين: رؤية السلطة الغاشمة، ورؤية المجتمع المقهور الذي يدفع بأحد افراده إلى ممارسة الدعارة كتعبير عن وجع الفقراء حين تحيط بهم ظروف قاهرة وقسرية تتعلق بالصراع من اجل البقاء بوصفها نزعة انسانية عند الكائن البشري ككل، غير أن البطلة كانت لديها احلام وتصورات عن انها يمكن أن تختار طريقاً افضل حين كانت تقول (كنت اتخيل ان شوقي إلى الحياة الزوجية بين احضان زوج واطفال يمكن أن يكون امراً مرضياً) ص20، وهذا يعني اننا ازاء رغبة جامحة ومشروعة وإن ولدت ميتة كنتيجة حتمية حسمها خيار الانحراف والذهاب إلى الهاوية السحيقة، وهذا يعني في الحقيقة أن الواقع فرض معطياته مثلما وصفها الروائي في هذه الحكاية في الحوارات الداخلية ويمكن أن نؤشر إلى البدايات المبكرة لتفاصيل هذه الرواية وقد نجد سلوك بعض شخوص الرواية تعبيراً لهذا المعنى ابتداءً من الشاب المخادع جينو الذي بهر بطلة الرواية (ادريانا) واستطاع اقناعها انه يريد الاقتران بها، وبدا هذا الامر واضحا عندما عبر لها عن رفضه لعملها هذا أي فتاة موديل في عبارة صريحة إذ قال (ان فتاة مثلك يجب إن تبقى في البيت ولو احبت العمل فعليها ان تختار مهنة شريفة لاتعرض شرفها كل لحظة لأن يثلم) ص24، إن رواية (إمرأة من روما) هي محاولة فكرية شجاعة من السيد مورافيا يفضح فيها بلغة رفيعة هول الخراب الذي أصاب المجتمع الايطالي بفعل فايروس الغطرسة والغرور الفاشي للذهنية الديماغوجية الحاكمة في تلك المرحلة، وكذلك صور فيها طبيعة المكون الاجتماعي للفقراء في روما وقد سحقتهم ماكنة العوز الوحشي وما جسدته البطلة ادريانا ليس الا تعبيراً منسجماً ومتطابقاً مع الوقائع وباستعارة مشهد الخلاف الذي نشب بين ادريانا وامها عندما اخبرتها بالرجل الذي صادقته وقدمته على انه خطيبها ويريد الزواج منها. وكان تعبير أمها على ذلك قائلةً (لقد كنت أدبر الخطط واتحين الفرص لأجعل منك فتاة ثرية لأضمن لك مستقبل وضاءً والآن تخبرينني بانك مخطوبة من شاب معدم لايملك بنساً) ص27، هذه الهواجس أكدت تنبؤات سابقة لامها في أنها قد سقطت في فخ الخديعة وأن هذا الرجل لن يمضي معها في فكرة الاقتران منها بسبب طبيعة الشكوك التي تحوم حوله وكذلك وجدنا ان هذه التجربة بالنسبة لأدريانا كانت قاسية وخلفت لديها آلاماً مبرحة، الا انها ولدت لديها إرادة عابرة لطي محنة المكر والخديعة التي مورست عليها من هذا الرجل المحتال، ولذلك وجدنا أنها قد عالجت هذه المسألة بصداقات جديدة بدت انها تصعيد لحركة الاحداث أراد مورافيا أن يكثف ويجتهد لتقريب مايروم تحقيقه ومن بينها كشف شفرات والغاز علم الجريمة السياسية في ظلال الفاشية الايطالية وتعرية الاعيبها والتصدي لإشكالية الواقع الاجتماعي المتأثر بالوضع السياسي الفاسد. وقد رمز له برجل السلطة الذي كان يمثله ستيفانو استاريتا الذي قدمته صديقتها جسيلا وصديقها ريكاردو للتعارف مع ادريانا. وهنا اراد السيد مورافيا ان يؤكد على ان فرضية الظروف الباعثة على ارتفاع وتيرة الانحراف عبر مشاهد انغماس البطلة في طريق الدعارة وفضائحية صدمة العلاقات الغامضة التي نشأت بين شخوص الرواية ونمط العلائق بين الأفراد كانت تقدم لنا فضاءً من الخيبات والانكسارات وخواء الأيدلوجية وتفشي ظاهرة المكر والخديعة وهذا يعني تراجعاً خطيراً في العلاقات الانسانية والاخلاقية اصاب المجتمع الايطالي في ظل واقع سياسي محكوم بالطغيان والفاشية، وما جرى من وقائع وحوادث يبين لنا هذا المعنى وأصلت لمفهوم الخديعة ويمكن استحضار هذه الرؤيا من خلال العلاقة بين أدريانا كإحدى الضحايا وأصدقائها جسيلا وريكاردو وهم يساهمون في دفعها إلى المزيد من الانحراف، وما حصل لها مع استاريتا ممثل السلطة عندما يقوم باغتصابها بمساعدة اصدقائها انما يدل على أن الذي حصل هو عملية اغتصاب جماعي لفرد يائس وضعيف ومحاط بتضاريس الفقر كله وما قالته بعد هذه الواقعة انما هو تعبير انهزامي وينم عن عمق الجرح الذي اصابها بالصميم وما عبرت عنه في جملة محبطة (اعتراني شعور حاد من الالم الحاد اذ بدت لي ومضة من البداهة والبصيرة انارت لي طريق الحياة في المستقبل، طريق مظلمة شديدة الانحناء والالتواء) ص71، رغم أن من وقائع السرد يتبين لنا أن ادريانا لم تكن راغبة في الاشتغال في السياسة، الا انها لم تكن جاهلة إلى هذا الحد ولذلك استطاعت ان تعبر جيداً عن الواقع السياسي المحتقن الذي يجتاح ايطاليا وقد قالت (ان مجموعة من الشعب كانت تكره الفاشية وان امثال استاريتا كانوا يتصيدون اعداء تلك الحكومة) ص94، والشيء الذي تم رصده في ظل التحولات التي مرت بها الشخصية المحورية ادريانا وهي تسرد لنا تفاصيل دقيقة عن سيرتها الذاتية كترجمة لإرهاصات المجتمع الايطالي المحكوم بالديماغوجية الفاشية واثرها السحري على الافراد والجماعات وتاريخ مأزوم محكوم بإشكاليات ليست لها حلول، أثرت على الذهنية والسلوك الجمعي للمجتمع فتراجعت قيمه الاجتماعية والثقافية الإيديولوجية ودفعته إلى مسارات من التواء وكذلك وجدنا ادريانا بوصفها ساردة للحدث والشخصية المحورية في هذه الحكاية يقف وراءها صانع مخيال بارع هو السيد مورافيا ليضعنا امام نص إشكالي متجاور برفقته الذرائع الحامية لتصورات الكاتب في منح حركة حرة لشخوص الرواية في التحرك بمديات متحررة تماماً ولم يكن ممسكاً بشخوص الرواية بالطريقة التي تشعرك انه يحركهم على وفق نهج ذاتي محض يختبىء وارءه الروائي بل كان متقصداً في ان يمنح نصه هذا التحليق او الانفصال الروحي ولكن الشيء الذي اعتقد اني قرأته من خلال تفاصيل هذه الحكاية والاسلوب الذي اتبعه الكاتب مورافيا في تنظيم حركة الشخوص ابتداءً من شخصيته المحورية (ادريانا) وهي تسرد لنا سيرة مجتمع محكوم بنظام إيديولوجي فاشي صانع لعذابات الانسان، او هي أشبه ببلوغرافيا تتضخم فيها مشاهد من الانحراف والخوف المتسلل إلى ذهنية الافراد والجماعات الناقمة من هوس ورعب افعى الديماغوجية الفاشية. لقد صور الروائي لنا مجتمعاً حائراً وخائفاً من سلطة مغامرة وترعب الآخر المختلف ولديها انياب آكلة لأجساد الناقمين والمعارضين ولديها قدرة استثنائية لاستثمار حتى المجرمين ضد خصومها من المعارضين والثوريين المنخرطين في منظماتهم السرية وتستطيع زرعهم في داخل هذه التنظيمات المناهضة للفاشية وما مثله السيد جياكومو الرجل الذي وضعته الظروف لكي يمر في جغرافية البحث عن الحب الحقيقي الذي كانت تبحث عنه الشخصية المحورية التي راحت تعاشر الرجال بوصفها مهنة لكسب بعض المال، مع انها كانت راغبة في حياة مختلفة غير التي تحققت في الواقع وما قالته في هذا الخصوص اكد هذا المعنى (لو وجدت شخصاً احبني ولو فقيراً واراد الاقتران بي لكنت غيرت مجرى حياتي) ص168، والمسألة التي أراد الروائي مورافيا كشفها وفضحها في حقبة الفاشية هو أن جميع شخوص الرواية كانوا فاسدين وقذرين وادعياء ومخادعين ابتداءً من ادريانا وصديقتها جسيلا وريكاردو وخطيبها جينو الذي اكتشف فيما بعد انه متزوج إلى جانب استاريتا رجل البوليس والسلطة، وهذا يعني ان هناك خللا بنيوياً في اخلاق المجتمع الايطالي قد حصل ادى إلى هذا النوع من العلاقات المضطربة وتلوث الذات، ساد تلك المرحلة التي حكم فيها الفاشيون ايطاليا والتي امتدت لربع قرن خلفت فيها جرحاً عميقاً في الذاكرة الجمعية للمجتمع الايطالي وروما العاصمة بوصفها الفضاء الذي اصبح حقلاً لتجارب الفاشيين، وأراد الروائي ان يبرز وبشجاعة كل مساوىء وامراض وعقد بعض الافراد في تلك المرحلة كونها فترة مضطربة عاشها الفرد يتحرك في مناخ مأزوم ما ينعكس سيكولوجياً على سلوك الجميع ويمكن ترجمتها على انها أفعال خارجة من اللاوعي ومتناقضة مع ذهنية الانسان الطبيعي في الظروف الطبيعية وما عبرت عنه ادريانا في واحدة من علاقاتها الجنسية الخارجة عن المألوف عندما تدفعها الصدمة لممارسة الجماع مع احد المهووسين وهو احد شخوص الرواية السيد سونزونو بوصفه رجلاً شريراً ومجرماً سابقاً، حيث نجده يضرب ادريانا على خدها بقسوة قبل ان يمارس معها الحب، حتى شعرت في تلك اللحظات المأساوية برعب شديد يتسلل إلى روحها وعقلها وقد عبرت في جملة مشحونة بالخوف المركب اذ قالت (لقد كان الموقف بالنسبة لي كموقف تلك المرأة التي تشعر ان ليس في غرفتها رجل بل نمر مفترس او أي حيوان كاسر آخر) ص187، ويبدو لي انه كلما تعمقت في ميدان قراءة النص الذهبي اجد ان الكاتب كان مهتماً في تعرية ذهنية الطغيان والفاشية وهي تصنع تراجيديا مأساوية في ذلك المقطع الزمني يتقاسم فيها الناس الدموع والاحزان والمخاوف وروما معبئة بحراك غير مرئي في ظل نشوء التنظيمات السرية الشبابية والتي كان بعض منها مخترقة اصلاً من قبل السلطة، ولكن النضال كان فعالاً ضد الفاشية ويمكن ان نقرأ هذا الاصرار في كشف عورة الاستبداد من خلال تنامي خط سياسي مناهض لهوس هذه الفاشية البغيضة وباستعارة لجملة قالها الشاب جيكايمو وهو يعترف لأدريانا (انني انتمي إلى مجموعة من الناس التي لاتوافق الحكومة الفاشية الحالية) ص277، ولكن على مايبدو من مسار الاحداث في رواية (امرأة من روما) ان السيد مورافيا اراد في الحقيقة التشديد على اهمية تجريم الذهنية التي لاتستطيع مقاومة النهج الفاشي الذي تمارسه السلطة حين تقبض على معارضيها وتحولهم في طبق تفكيرها الانتحاري من خلال عقد صفقة المقايضة، ولكن هذا يصب في برنامج بقائها طالما تستطيع القضاء على معارضيها الذين يعملون بسرية واختيار الخائن لهذه الجماعة المعارضة او تلك مقابل اطلاق سراحه وهو ثمن بخس وما تحقق في تفاصيل الحكاية من خلال احد الشخوص في الرواية متمثلاً بالشاب جينو كما يحلو لعشيقته ادريانا ان تسميه، الذي وشى بأصدقائه، تيوليو وتوماس ويمكن استعارة الحوار الذي جرى بينه وبين ادريانا عندما سألته (وماذا عن أصدقائك؟ رد عليها جينو- أي اصدقاء؟ تيوليو وتوماس فتظاهر قصداً بعدم الاكتراث واجاب: لا اعرف شيئا عنهما وسيعتقلان قريباً) ص294، وبهذا اراد الروائي ان يفضح العقلية الفاشية وهي تحول اعداءها إلى عملاء يمكن الاستفادة منهم في لحظات ضعفهم وتراجع القناعات الثورية لديهم في التصدي لغطرسة السلطة الفاشية. بمعنى اننا ازاء قدرة ارتفاع الشيطنة الإيديولوجية التي وصلت إليها السلطة في التعاطي مع خصومها ومعارضيها وتدجينهم لمصلحتها ولكن السيد موارفيا في هذه الرواية اراد ان لايبقي هذا المشهد المأساوي عالقاً في مخيلة من قرأ روايته هذه من خلال محاولته التعاطف مع احد شخوص روايته الذي صار في رأي الآخرين على انه متواطىء مع السلطة واصبح خائناً لقضيته ولمنظمته السرية بتحوله مخبراً سريا للسلطة والامر الآخر الذي اراد المؤلف زرعه في هذه الرواية هو نوعية الغموض الذي استدعاه في هذه الوقائع ونوعية الشفرة او اللغز الذي أراد استنباته في هذا النص الثقافي والفكري بحبكة ذكية وساحرة، ومن الصعوبة فك هذه التورية التي صنعها بمهارة الكاتب الذي يفكر بعقلية رفيعة وعابرة لفهم الطبقة السياسية الايطالية في ظروف محبطة!