الأرمن والدولة العثمانية

الأرمن والدولة العثمانية

د. بهنام عطاالله
عن دار النهضة العربية في بيروت – لبنان، صدر للباحثة نقية حنا منصور كتاب (الأرمن والدولة العثمانية) 2016. ويعد هذا الكتاب مرجعا للباحثين ومتابعي القضية الأرمنية ومجازر (سيفو) التي ارتكبتها الدولة العثمانية ضد الأرمن في انحاء تركيا لأسباب واهية ضاربة عرض الحائط كل مقرات حقوق الإنسان.

يتناول الكتاب دراسة أحوال الأرمن في ظل الدولة العثمانية. وتأتي أهمية دراسة أحوالهم وما لاقوه من قتل وتدمير وتشريد على يد قوات الدولة العثمانية، على الصعيد الإنساني باعتبار ان إبادة الجنس البشري تشكل أهم الاعتداءات على حقوق الشعوب، وإن الإفناء المنظم لشعب نتيجة هويته الدينية والقومية والتاريخية هو الأخطر في العالم المتحضر .وتتساءل الكاتبة ضمن هدف البحث : لماذا أبيد الأرمن العام 1915 من القرن الماضي وما قبلها من قبل الدولة العثمانية ؟ وما هو الموقف الدولي حيال هذه الإبادة ؟ وهل من حق الأرمن الذين نجوا من هذه المجازر المطالبة بحقوقهم القومية والدينية المغتصبة ؟ وأخيرا هل يقول التاريخ كلمته الفاصلة بحق الأرمن وانصافهم بعد أكثر من قرن مضى؟ . لقد اعتمدت مؤلفة الكتاب المنهج التاريخي الوصفي لدراسة جذور المسألة وتتبع الحوادث التاريخية وطبيعة الإضطهادات التي ارتكبت ضد الأرمن في أواخر القرن التاسع عشر ومفتتح القرن العشرين وما رافق ذلك من حملات ممنهجة ومقننة لتهجير جماعي وإبادة للجنس البشري وتطهير عرقي .
قسمت المؤلفة الكتاب ضمن هيكلية تتألف من ثلاثة فصول فضلاً عن المقدمة وتمهيد تحدث عن التكوين السياسي للأمة الأرمنية وهو مدخل أولي للولوج الى الفصول الأخرى.إذ تذكر المصادر ان دخول أرمينيا التاريخ كان بحدود عام 610 قبل الميلاد وحتى دخولها تحت حكم العثمانيين عام 1473 ميلادية.
في الفصل الأول للكتاب تتبعت الكاتبة الجذور التاريخية للأرمن والتي عدتهم من أقدم شعوب منطقة شرق أسيا الصغرى، وهم ينتمون الى أمة ذات حضارة إنسانية متميزة، لما تركوه من أديرة وكنائس ومعابد وقصور وآداب وفنون . تناول هذا الفصل ثلاثة مباحث هي أولا : الموقع الجغرافي لأرمينيا . وثانيا : التعريف التاريخي للأرمن . أما المبحث الثالث فتضمن الزحف العثماني نحو أرمينيا واحتلالها.
تناولت في الفصل الثاني الوقائع التأريخية للمسألة الأرمنية، حيث قسم الى ثلاثة مباحث . الأول : احتوى على ثلاثة مطالب مهمة هي: ظهور الشعور القومي للأرمن والعوامل التي أدت الى ظهور المجازر والإبادة الأرمنية في رأي الأرمن والأتراك.ثم أخيرا علاقة الأكراد بالمسألة الأرمنية.أما المبحث الثاني فبحثت فيه عن الأرمن في عهد السلطان عبد الحميد الثاني حيث تناولت فيه شخصيته والقابه، حيث كان يوصف بأنه عصبي المزاج، جبان، متهور، منطوٍ، لم يكن مهتما بالعلم والمعرفة والمبادئ الإنسانية، كان عهده مضرجا بدماء كل من كان يخالفه بالرأي .المبحث الثالث تناول جمعية الإتحاد والترقي من حيث نشأتها والانقلاب العثماني عام 1908 وموقف الأرمن من جمعية الاتحاد والترقي وسياستها بعد تسليم السلطة ثم الجمعية والحكم الطوراني وموقف الأرمن منها.
الفصل الثالث والأخير بحثت فيه الكاتبة وقائع المجازر والتهجير الأرمني والمواقف الدولية والعربية منها، حيث تناولت فيه الموقف الدولي والعربي من المجازر والإبادة الأرمنية ورحلات السوق والتهجير والقتل والحقائق الرسمية لوقوعها منذ عام 1915، ثم الاعترافات الرسمية التركية والدولية بالإبادة والمجازر الأرمنية. فضلا عن الفصول الثلاثة فقد تضمن الكتاب الخاتمة التي احتوت على الاستنتاجات والتوصيات ثم قائمة المصادر المستخدمة في بناء هذا الكتاب وتنوعت بين الكتب العربية والكتب المترجمة ثم الدوريات والنشرات والمجلات فالأطاريح والرسائل الجامعية والكتب الأجنبية. كما احتوى الكتاب على العديد من الوثائق والخرائط والجداول والصور التي تدين الدولة العثمانية بارتكابها أفضع الجرائم والمجازر والمذابح بحق الأرمن والتي أطلق عليها (مجازر سيفو) .كما خص الكتاب بمقررات المحكمة الدائمة للشعوب والمنعقدة للفترة من 13لغاية 16 نيسان 1984، والتي أكدت على أن هذه الجريمة تشكل خرقا لأهم الالتزامات الضرورية للمجتمع الدولي ووصفت بـ (الجريمة الدولية) المنظمة.
وتأسيساً على حقيقة قيام هذه المذابح، فإن من حق أي أرمني تضرر في ذلك المجتمع أن يطالب الحكومة التركية بالوفاء بالتزاماتها في الاعتراف رسميا بدورها في هذه المجزرة ولهذا العضو ايضا الحق في أن يتخذ أية تدابير للمساعدة والمعاونة حسب القواعد المعمول بها في القانون الدولي وإعلان الجزائر، وعلى الأمم المتحدة يقع واجب الاعتراف بجريمة الإبادة الجماعية ضد الأرمن، وأن يساعد الشعب الأرمني من أجل تحقيق هذه الغاية والضغط على تركيا للاعتراف بمسؤوليتها عن هذه المذابح التي ارتكبت ضد الأرمن.
من خلال سياق هذا الكتاب تورد المؤلفة أن بعض المسؤولين من الدولة العثمانية المشاركين بهذه المذابح والذين لاقوا حتفهم فيما بعد على يد منظمة (كوماندوس العدالة والثأر) الأرمنية، حيث قتل طلعت باشا وزير الداخلية التركي في برلين بتاريخ 16 آذار 1921 من قبل صوغومون تهلريان. كما قتل بهاء الدين شاكير المنفذ الرئيسي للمذابح الأرمنية وهو من حزب الاتحاد والترقي في برلين في 17 نيسان 1922 . ولقى جمال عزمي المشارك في هذه المذابح حتفه في برلين من قبل أرشاوير شيركيان وآرام بركانيان عضوي (كوماندوس العدالة والثأر) الأرمنية.
وأخيرا فإن كتاب (الأرمن والدولة العثمانية) كتاب جدير بالقراءة والمتابعة لما يحتويه من حقائق دامغة وملاحق ومصادر موثقة تؤكد كلها على دور الدولة العثمانية في قيام هذه المجازر ضد الأرمن خصوصا في تركيا، وهو صرخة إدانة واضحة ضد الإبادة الأرمنية والأعمال الإجرامية التي ارتكبتها هذه الدولة. وقع الكتاب بـ (309) صفحات من القطع الكبير.
المؤلفة من مواليد محافظة نينوى 1958، نالت شهادة البكالوريوس من جامعة الموصل، كلية الآداب، قسم التاريخ ثم حصلت على شهادة الماجستير من الجامعة الحرة .