سامبين روائياً

سامبين روائياً

علاء المفرجي
عثمان سامبين المولود عام 1923 من أسرة صائد اسماك في قرية على ضفاف نهر كازماس في السنغال، اختزنت ذاكرته الأساطير والطقوس ومنابع الفلكلور الافريقي والتي جعلت منه في طليعة الأدباء والفنانين الافارقة الذين اسثمروا التراث والفلكلور الإفريقي في خدمة القضايا الثقافية والاجتماعية وفي تأكيد الهوية في مواجهة الوجود الكولنيالي.

وإذا كانت الذاكرة الثقافية تحتفظ لسامبين باعتباره (ابو السينما الافريقية السوداء) فإنه لم يلج بوابة الفن السابع إلا في فترة متأخرة من حياته (درس السينما وهو في الأربعين من عمره)..
وكان دخوله هذا الفن من بوابة الأدب الذي توجه كأحد أهم رموز الرواية والقصة الإفريقية الى جانب وول سوينكا و نسيتوا اتشيبي وإن لم يحظ بالشهرة العالمية لهما.
والسيرة الشخصية لهذا المبدع الاسطوري التي وثّقت وعكست المشكل الاجتماعي النوعي الذي كان يعيق تنامي حركة التغيير الديمقراطي لا في السنغال فحسب، بل في جميع بلدان غرب إفريقيا، تشي بسيرة انتاجه الأدبي والفني المتميز وحرفيته العالية.
الخطوة الأولى في المسيرة الإبداعية لسامبين كانت في منتصف عقد الخمسينيات، عندما صدرت أول اعماله الروائية (عامل الميناء الأسود).. والتي اكتنفها الضمور والضعف الفني الواضح، ولكنه سرعان ما ينطلق بأدواته الفنية ويقوي عود حرفيته في روايته التالية (وطني.. شعبي الجميل) ثم (آلهة الأخشاب) وغيرهما من الأعمال.
القصة القصيرة في أعمال سامبين تأخذ مكانة متميزة في مجمل إبداعه، بل قد بوّأته كأحد أهم كتابها بالأدب الإفريقي المكتوب بالفرنسية بسبب (بساطة السرد، والمشهد البالغ التركيز والسبك الذي لا يتوفر عند قاص آخر) وليس غريباً أن وجدت عدداً غير قليل من قصصه القصيرة طريقها الى السينما.
السيرة الشخصية لسامبين وسيرته الابداعية كروائي وقاص، فرضت ولوجه بعد سن الأربعين بوابة السينما، حيث اختار دراسة مبادئها الأساس في موسكو باستوديو غوركي على يد أحد اساطين السينما السوفيتية المخرج مارك دونسكوي، والمنظر سيرغي غيراسيموف بداية ستينيات القرن المنصرم.. ويوقع بعد عودته الى إفريقيا على أوّل أفلامه عن امبراطورية سوهاري.. لكن ابداعه الحقيقي يتجلّى مع الفيلم الوثائقي (الحوذي) عام 1963 الذي تميّز بتنوع مضامينه والتي تلتقي بالشكل الإنساني والطموح الذي تعيقه المشاكل والهموم، والفقر، والأحلام المستحيلة.. وهو الموضوع الذي عزف عليه في فيلمه الثاني (نياي) وإن كان بمعالجة مختلفة حيث التقاليد الصارمة في مجتمع ريفي متزمّت.. ذهب فيه بعض النقاد الى مقارنته بموضوعات التراجيدية الإغريقية القديمة.
هذه التجربة السينمائية كانت كافية لمنح سامبين كسينمائي امتياز الريادة بل الإبوة في هذا الفن في إفريقيا، فهو مع فيلم (سوداء من....) عام 1966 يكون صاحب أوّل فيلم روائي إفريقي طويل، ومع فيلم (الحوالة البريدية) 1968 صانع أول فيلم إفريقي ملون في تاريخ سينما إفريقيا الاستوائية.
في عام 1973 ينجز سامبين عن قصة أخرى له فيلماً بعنوان (خالا) وهو فيلم روائي طويل ثم (الهروب) و(سيدو) وكان آخر أعمال سامبين الفيلم الروائي الثاني عشر (مولاد) الجزء الثاني بعد فيلم فات كين 2001 من ثلاثية تمجّد حياة النساء (بطلات الحياة اليومية) كما يصفهن، فقد عمد في أغلب أفلامه الى إبراز دور النساء واهميتهن في الحياة.
وفيلم (مولاد) الذي انتزع عدداً من الجوائز أهمها جائزة (نظرة ما) في مهرجان كان 2004 وجائزة الجمعية الوطنية لنقاد السينما الامريكية، يحكي قصة امرأة سبق وأن عرفت الختان في طفولتها إلا أنها استطاعت أن تقي طفلتها من الطقس الذي ينظّم كل سبعة أعوام.. يدين سامبين في فيلمه هذا، عادة ختان البنات المتفشية في العديد من المجتمعات الإفريقية.