ثورة 25يناير قراءة أولى     ..كتاب جديد للدكتور وحيد عبد المجيد يكشف خبايا الفساد في عهدمبارك

ثورة 25يناير قراءة أولى ..كتاب جديد للدكتور وحيد عبد المجيد يكشف خبايا الفساد في عهدمبارك

عرض: محسن حسن
لاشك في أن أحداث ثورة يناير المصرية وما خلقته من ثورات متتابعة وردود فعل عربية وعالمية كبرى وما أحدثته من نتائج غيرت مجرى تاريخ مصر المعاصر لاشك أنها أحداث مهمة ستتناقلها الأجيال، ولذلك فهي تستحق التأريخ لها والكتابة عنها . ولكن من ناحية أخرى فإن كتابة التاريخ فى وقت معاصر لأحداثه يعتبره البعض مسألة صعبة ومرهقة جدا إلا أن الدكتور وحيد عبد المجيد المفكر السياسي المصري أخذ على عاتقه تلك المهمة الصعبة وقام بإصدار كتاب " ثورة 25 يناير قراءة أولى " عن مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع بالقاهرة

ليكون من أوائل الكتب التي تناولت هذا الحدث العربي الكبير والذي لايتوقف فيه عند تناول تفاصيله وإنما يمتد إلى التحليل ومحاولة استشراف ملامح المستقبل من خلال الواقع القائم.

إقصاء مبارك
ويتكون الكتاب من مجموعة من المقالات التي نشرها الكاتب ضمن يوميات الثورة وفيها يتناول العديد من القضايا والأحداث ذات الصلة بالثورة المصرية ومقدماتها قبل أن تطيح بالرئيس المصري حسنى مبارك ويبدأ المؤلف بعملية فلاش باك ورجوع للخلف مشيرا إلى الثورة التونسية التي يؤكد أنها عندما وقعت في تونس فإن النظام المصري لم يدرك قرب الخطر منه ولم يفكر أبدا في إية إحتمالات للإطاحة برأسه وكل أركانه ويسخر المؤلف من المتحدثين الرسميين سواء في مصر أو غيرها من الدول العربية والغربية بأنها كانت دائما تشكك في إمكانية وقوع ذلك الإحتمال لأنهم أشبه بمن كان نائما في العسل أو الحرير على حد وصف المؤلف اذى أكد أيضا أنه حتى على مستوى الشارع المصري لم يكن أحد يستطيع التنبؤ بثورة تزلزل نظام مبارك وتهدمه لما أصاب المصريين من إحباط متكرر عبر سنوات حكم مبارك الطويلة خاصة في ظل وجود آراء كانت تنادي بالإصلاح التدريجي ولكن في نفس الوقت كان هناك قلة كانت مؤمنة بأنه لافائدة من الإصلاح إلا بإقصاء مبارك ورجاله من حكم مصر وأن إصرار هذه الفئة على مطالبها في ميدان التحرير وصمودها كان له الفضل في نجاح الثورة .
مظاهر الفساد
ويحدد الكاتب عناصر أربعة رآها كانت السبب في فتح منافذ الفساد التي أغرقت النظام وقضت عليه في الوقت الذى أدت أيضا إلى عرقلة الطريق في وجه أية محاولات للإصلاح وهذه العناصر هي ماحدث في التعديلات الدستورية وما أسماه بالصيغة المملوكية في نظام مبارك ، ومحاولات تصعيد ابنه جمال مع سيطرة أصحاب المال ، بالإضافة إلى حالة الإظلام السياسي والإفساد العام التي عمد النظام تكريسها. ويتوقف المؤلف عند التعديلات الدستورية كأحد أدلة تورط النظام السابق على محاولات غلق أبواب الإصلاح ، مشيراً إلى أن الشرط الأساسي لأي إصلاح تدريجي هو تبني برنامج زمني له بداية ونهاية معروفتان ، وهو مالم يكن موجودا في عملية التعديلات الدستورية التي شملت أربعة وثلاثين مادة وليس من بينها أي من المواد الأساسية التي يستلزم الإصلاح تغييرها ليعود المؤلف مؤكدا على نوايا النظام السابق على عدم تحقيق أي إصلاح حقيقي!
جمال ومبارك
وفي نفس السياق ينتقد الكاتب هيمنة الرئيس المصري السابق على السلطة وسيطرته على كل السلطات الأخرى غير التنفيذية بما القضائية والتشريعية ويعتبرها أحد ملامح ومنافذ الفساد الحادث في مصر وعمله على تكريس هذه الهيمنة بشرعية دستورية تطلق يد مبارك في كل السلطات بشكلمطق بينما تمنحه صلاحية التمهيد لتصعيد إبنه جمال وظهوره كخليفة منتظرلوالده الأمر الذى إعتبره المؤلف في ثنايا كتابه مظهرا من مظاهر الفساد خاصة في ظل مناخ غير صحى من تزاوج السلطة والمال وسيطرة رجال الأعمال على مواقع ومناصب هامة تحت شعار " فكر جديد " الذى تستر وراؤه جمال مبارك لإضفاء شرعية غير حقيقية على هذا التزاوج المريب . وبناء على مجموعة من التفاصيل الخاصة بمعاناة مصر في الفترة الأخيرة يرى المؤلف أن مصر قبل الثورة وصلت لدرجة الإظلام السياسي والإفساد العام ، ساهم في ذلك تعمد نظام مبارك اتخاذ بعض الإجراءات للتضييق على وسائل الإعلام ومنعها من القيام بدورها في معرفة الحقائق ونشرها للناس بخلاف امضايقات الأمنية للتيارات المعارضة والجماعات الفكرية والسياسية المختلفة مع النظام .
تدهور عام
ويسوق المؤلف في جزء آخر من الكتا بعض الإحصائيات والوقائع الدالة على الحالة المتردية التي وصلت إليها مصر في ظل حكم مبارك وكيف مهد ذلك لإنفجار ثورة الشباب المصرية وفي مقدمتها تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في مصر عام 2010 ، والذي كشف عن الحالة السوداوية للمصريين وخاصة الشباب وحذر من خطورة ذلك ولكن احد أهم أخطاء النظام أن غروره منعه من التعامل مع مثل هذه التقارير أو حتى الإنتباه لخطورة الأمر ولذلك لم يكن يتوقع أبدا أن يثور الشباب بهذا الشكل بينما كان مايحدث في مصر في عهد مبارك – على حد قول المؤلف – كان كفيلا بإشعال ثورات متعددة . ويمضى الدكتور عبد المجيد في تحليله لهذه الأحداث منتهيا إلى أن هناك أربعة عناصررئيسية مهدت الطريق إلى ثورة يناير وهى أولا: عفن في الدولة وخلل في المجتمع ، ثانيا: نهب منظم أدى إلى إثراء قلة وإفقارالأغلبية ، ثالثا: وجود نظام استعصى على الإصلاح وصولا إلى القطة الرابعة وهى اشتعال النارفي نفوس المصريين والتي فجرت بداخلهم كل هذا الغضب .
أعداء الثورة
وفي مقالات أخرى داخل الكتاب يتناول الكاتب ما أصطلح معرفته بالثورة المضادة مشيرا إلى خطور بقايا النظام السابق وأعوانه خاصة ممن كانوا يستفيدون منه من الأثرياءورجال الأعمال الذين إنكشف فسادهم بعد الثورة وبعض أعضاء الحزب الوطنى الحاكم وعلى الغم من التحذيرات التي ضمنها المؤلف في هذا الجزء إلا أنه عاد وأكد ثقته في قوة الثورة المصرية وجدارتها على الوقوف في وجه أى عدو من أعدائها مؤكدا على أن مقاومتها لن تكون سهلة على أعدائها ويبرر ذلك بأن ثورة ينايرخلقت وعيا شعبيا قويا ومقاوما لأى ثورة مضادة بالإضافة إلى أن قضايا الفساد والرشوة والإستيلاء على أموال البلد كشفت للمصريين كم الفساد الذى كان في عهد مبارك ولايمكن ان تتسامح معه أبدا بل إنه زاد من قوة التمسك بالثورة وأرهب كل من تسول له نفسه أن يقوم بأى عمل يضر بمصر وثورتها .
قلق إسرائيلى
وفي نهاي الكتاب خصص الدكتور وحيد عبد المجيد صحات هامة عن إسرائيل ومخاوفها من الثورة ومايمكن أن تفعله تجاهها حيث أوضح أن إسرائيل كانت مطمئنة على أحوالها في ظل نظام مبارك كما كانت هادئة وغير قلقة على المستقبل في ظل التهيؤ لتولى جمال مبارك الحكم خلفا لوالده على إعتبار أنم الأمور لن تختلف كثيرا بين الأب وإبنه ! ولكن بحدوث الثورة إنقلبت أحوال إسرائيل رأسا على عقب وأصبحت في حالة من الإنزعاج والقلق الشديدين خاصة على مستقبل معاهدة السلام والذى بدا واضحا في الإعلام الإسرائيلى وفي الحوارات التي تدور بين قادة الجيش ويقول المؤلف أن هذه الحالة تزداد عندماتتلمس إسرائيل أية ملامح للتقارب المصري الإيرانى كما حدث عندما سمحت السلطات المصرية بعبور البارجتين الإيرانيتين لقناة السويس . ويختتم المؤلف هذا الأمربتأكيده على أن المصريين عندما إعترضوا على العلاقة مع إسرائيل فإن إعتراضهم كان على عدم التكافؤ الذي كان يسود تلك العلاقة في عهد مبارك و بالنسبة لمعاهدة السلام فقد ألقى المؤلف بالكرة في ملعب إسرائيل مؤكدا أن الأمرلاعلاقة له بتغير النظام في مصر أو تغير رموزه وإنما يتوقف على نوايا إسرائيل نفسها تجاه مصر والعرب في الفترة المقبلة !!