بين بغداد والعتبات المقدسة.. عندما كان الزوار يستريحون في خاني المحمودية والأسكندرية

بين بغداد والعتبات المقدسة.. عندما كان الزوار يستريحون في خاني المحمودية والأسكندرية

علي كامل السرحان

كانت الخانات تستخدم كمحطات استراحة من قبل المسافرين وقوافل التجارة التي تروم التنقل عن طريق الفرات من بغداد إلى البصرة أو بالعكس، وكذلك قوافل الزوار التي تقصد الأماكن المقدسة في مدينتي النجف وكربلاء.

كما أن للخانات أهمية حينما يتعذر على القوافل أن تحط رحالها في بقعة ما بالصحراء فإنها تخيم في خانات القوافل التي كانت في الغالب وقفاً خيرياً أوقفه أغنياء المسلمين، فالخان الكبير يتسع لما مجموعه أربعمائة شخص مع حاجاتهم، والخانات شأنها شأن الفنادق ذات مستويات مختلفة.

وفي بعض الحالات تعتبر الخانات هي أقدم من القرى والمدن التي قامت بالقرب منها، والدليل على ذلك هو قيام بالقرب من كل خان عدد من الأكواخ تطورت فيما بعد فأصبحت مدن مثل مهافيه وبيرونوس والإسكندرية وغيرها.

وكانت الخانات تقدم بعض الخدمات مثل الأطعمة والقهوة والأعلاف والماء ومبيت الجنائز وغيرها من الأمور الهامة.

أنواع الخانات:- تقسم الخانات إلى مجموعة أنواع هي:

1. خانات نزول المسافرين:-

وهي أشبه ما تكون عليه حالة الفنادق اليوم، ولكنها تقدم ا لخدمات إلى الزوار والمسافرين مجاناً، ويكلف بالقيام على إدارة أعمال الخدمات في الخان (صاحب الخان) أو أحد الموسرين في المدينة، وكان الطلبة الوافدين إلى الحلة أو الزائرون للعتبات المقدسة في النجف الأشرف أو كربلاء المقدسة مروراً بالحلة ينزلون في تلك الخانات مدة تعليمهم.

2. خانات حفظ البضائع التجارية:-

لقد اهتم الملاكون والتجار والمزارعون بهذا النوع من الخانات لتسهيل مهام خزن بضائعهم، وتكون منتشرة في مختلف أنحاء المدينة.

3. خانات إيواء الحيوانات:-

وتهتم بإيواء الخيول والحمير والجمال وتقديم العلف المناسب لها، وتكون على الأغلب بالقرب من الأسواق في داخل المدن.

وقد تنوعت الخانات منذ إنشائها إلى ثلاثة أنواع، فقسم منها أنشأه أناس أتقياء لتكون مكاناً لاستراحة زوار العتبات المقدسة، وقسم آخر أنشأه أناس أثرياء بقصد الربح المادي والقسم الثالث أنشأته السلطة أو الدولة لتكون محطات لسعاة البريد ومكاناً لاستراحة الوفود العسكرية والمدنية وثكنات لجيوشها.

خانات طريق حلة – بغداد:-

تكمن أهمية خانات هذا الطريق بشكل خاص باعتباره طريق تجاري وطريق الحجاج أيضاً، حيث وجدت مجموعة كبيرة من الخانات المتصلة ما بين الحلة وبغداد، وكانت تبعد الواحدة عن الأخرى مسيرة ساعتين إلى أربع ساعات تقريباً.

خان المحمودية:

ذكر لنا الرحالة (جمس بكنغهام) عن خان المحمودية فقال: "ففي الخامس والعشرون من تموز سنة 1816 م، وفي حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل مررنا بخان ثالث يدعوه الأتراك (خان أورطه)، وتسميه العرب (خان بير يونس)، فاسمه الأول مأخوذ من طراز بنائه المعماري، واسمه الثاني أخذ من اسم بئر قيل أن النبي يونس كان يستقي منه أثناء سفراته من نينوى وإليها، مررنا بهذا الخان من دون أن ندخله وبعده بنحو ساعة وجدنا طريقاً يتفرع نحو الغرب بينما الطريق المستقيم ما يزال مستمراً".

ووصفت السائحة (مدام ديولافوا) في معرض رحلتها من بغداد إلى بابل خان المحمودية فقالت: "... ظهرت على الأفق بناية كبيرة من الآجر وهي خان كبير شيده الإيرانيون بجهودهم وفلوسهم، فيه بضع حجر واسعة معدة لاستراحة زوار العتبات المقدسة من الشيعة، وهذا الخان يناظره خانات إيران التي شاهدتها لدرجة كبيرة إذ تحيط بصحنها الحجر من جميع الجوانب التي يتقدم كل منها إيوان واسع، والمسافرون عادة عندما يكون الجو لطيفاً ينزلون في هذا الإيوان وعند برودة الطقس يأوون إلى الحجر ويجعلون دوابهم وحيواناتهم الأخرى في الإسطبل المقابل لهم لكي تكون على مرأى منهم على الدوام مخافة سرقتها". وكتب الرحالة (السير واليس برج) في معرض رحلته شيء عن خان المحمودية فقال: "... ومن تل عجيلي اتجهنا نحو المضافة المشهورة التي يسميها الأتراك (أورطه خان) أي الخان المسقف أو المغطى، ويعتقد إنه يقع في منتصف المسافة بين بغداد والحلة تماماً، وليس هذا بصحيح على ما بلغني ببغداد، ويسميه العرب (خان بئر النص) أي خان البئر الكائنة في منتصف المسافة، وأبرز ما في الخان بئر ذات غور عميق ينزل إلى مائها على درجات".

يعتبر خان المحمودية الخان الوحيد المسقوف (المغطى) على طريق حلة – بغداد، فضلاً عن أنه المحطة الرئيسة الثالثة لطريق القوافل التجارية الخارجة من الحلة، كما أنه ليس بخان منتصف الطريق، لأن المحمودية لا تقع في منتصف طريق حلة – بغداد.

خان الإسكندرية:

لقد ذكر الرحالة (بيترو ديللافاليه) في رحلته من الحلة إلى بغداد خان الإسكندرية فقال: "غادرت الحلة ضحى الخامس والعشرين من تشرين الثاني، وأمضينا الليل في خان البئر،... وأمضينا الليلة الثانية في خان يقع قرب قلعة غير مأهولة يدعى خان النص، لأنه يقع في منتصف الطريق بين الحلة وبغداد".

من عادة العرب أن يسموا المواقع أو الخانات بأسماء الآبار ومنابع المياه والآثار الموجودة بالقرب منها لأهميتها، ويقصد الرحالة (ديللافاليه) بخان البئر هو خان المحاويل، وخان النص هو خان الإسكندرية.

أما الرحالة (جمس بكنغهام) فكان معجباً بخان الإسكندرية من حيث البناء والطراز المعماري واختلافه عن باقي خانات العراق الأخرى، وخصوصاً على طريق بغداد – الموصل، فضلاً عن الخدمات التي يقدمها من أكل وشراب، فضلاً عن مرافق الخان الأخرى مثل المطبخ والإسطبلات ومكان للصلاة وحانوت وغيرها.

ويذكر الرحالة (المنشئ البغدادي) خان الإسكندرية في رحلته إلى العراق فقال: "من بغداد إلى الإسكندرية ثمانية فراسخ،... وهناك خان كبير وبعض بيوت العرب يسكنونها ويزرعون في تلك الأنحاء".

كما ذكر الرحالة (جون أشر) انطباعه عن خان الإسكندرية فقال: "في يوم 7 كانون الثاني 1865 م،... وعند الغروب توجهنا إلى خان الإسكندرية الكبير، ونصبنا خيمتنا في صحنه لقضاء ليلتنا تلك فيه، وكان هذا الخان قد بناه على سبيل البر والخير (رئيس وزراء إيران)، لزوار مشهد علي"،

في حين قضى الرحالة (لجان) ليلته في خان الإسكندرية إذ قال: "المناخ بارد جداً ولا يمكن النوم على السطوح، أخيراً وجدنا حنيات كبيرة عريضة يبلغ عمق الواحدة نحو مترين ونصف ضمن بناء الجدار في ظهر الإسطبل فاخترناها كموضع للمبيت،... وعندما إستيقضنا صباح اليوم التالي لنستمر في السفر فنصل إلى الخان التالي قبل ازدياد الحر، رأيت في الحنية التالية وهي غير بعيدة عني أنها استضافت في الليلة السابقة جثة في طريقها إلى كربلاء".

بينما قارنت السائحة الفرنسية (مدام ديولافوا) بين خان المحمودية وخان الإسكندرية فذكرت الآتي: "في 22 كانون الأول 1881 م أفقنا في الصباح الباكر على جلجلة أصوات القوافل التي خرجت من خان المحمودية...، وفي الأخير قرب الظهر بلغنا خان الإسكندرية التي كانت دون الخان السابقة بناءاً واستحكاماً وجمالاً، بيد أنها كانت ذات حركة دائبة وكان عدد الأشخاص يبدو فيها أكثر ممن هناك، ذلك لأن هذه المدينة تقع على تقاطع طريقين أحداهما تذهب إلى مدينة كربلاء والأخرى نحو الحلة".أما الرحالة (السير واليس برج) فذكر خان الإسكندرية خلال رحلته من بغداد إلى الحلة فقال: "إن خان الإسكندرية أخا الدهر، قديم، لكن هذا الذي كنا نطرق بابه ونروم ولوجه بني أبان القرن الثامن عشر، وكان يرمى من رواء بنائه تمكين الزوار الفرس من اتخاذه مسكناً ومبيتاً عندماً يتخذون سبيلهم إلى زيارة (مسجد علي) أو (مسجد الحسين) عبر الفرات، وما وراء الحلة".

وتطرق الرحالة (بهادر) إلى أهمية خان الإسكندرية في رحلته إلى العراق، لأنه يقع على مفترق طرق أحدهما يذهب إلى كربلاء عن طريق مدينة المسيب والآخر يذهب مباشرة إلى بغداد.ويعتبر خان الإسكندرية المحطة الثانية الرئيسة لاستراحة المسافرين والزوار على الطريق حلة– بغداد.

عن (خانات الحلة في العهد العثماني راسة تاريخية)، مركز بابل للدراسات.