نظرية الأدب: نبذ الرمزية لصالح واقعية النص العلمية والعملية

نظرية الأدب: نبذ الرمزية لصالح واقعية النص العلمية والعملية

بغداد/ المدى
بطرح مبسط ليكون في متناول مدارك العامة يقدم الباحث تيري ايغلتون عرضاً شاملاً للنظرية الأدبية في كتاب بعنوان (نظرية الأدب) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة ثائر ديب. مشيراً الى ان التعريف الادبي الذي قدمه الشكلانيون الروس الذين شكلوا بداية تحول النظرية الادبية عام 1917

بعد ان نشر الشكلاني الروسي فيكتور شكلوفسكي مقالته المعنونة"الفن كصنعة".
هذه المجموعة نبذت المذاهب الرمزية شبه الصوفية التي كانت قد فرضت سطوتها على النقد الادبي وركزت الاهتمام بروح علمية وعملية على الواقع المادي للنص الادبي ذاته.. يرى الباحث ان الادب مرتبط اصلا بالتاريخ كتحول حيث ان التحولات فى الرؤية الادبية، وفى الاشكال الفنية مرهونة بالعلاقات الجديدة التى تفرزها مرحلة اجتماعية تاريخية معينة. ويضرب مثلاً بانتقال الأدب الفرنسى فى القرن الثامن عشر من الانموذج الكلاسيكى الى الكوميديا حيث يرى ان هذا الانتقال يمثل خروجاً عن التقاليد الارستقراطية الى القيم البرجوازية، ويرصد الانتقال من الطبيعة الى التعبيرية فى المسرح الاوروبى، ناظراً اليه كتحول فى داخل البنية العميقة للمجتمع الاوروبي. ثم ينبه الى ان مسألة العلاقة بين التغييرات فى الشكل الادبي والايديولوجية ليست بسيطة وانما تتميز بالتعقيد. ويولى أهمية لقضية العلاقة بين البنية التحتية والوعي مفترضاً جدلاً بانه لا يوجد تأثير متبادل ميكانيكى بينهما اذ ان تغيير البنى التحتية لا يستدعى دائما وعلى نحو حتمى تغييراً مماثلاً فى الوعى او حتى فى العلاقات الاجتماعية. اذ نجد على سبيل المثال ان القيم الخرافية والاسطورية قائمة وفاعلة فى مجتمعات مصنعة مما يدل على ان العقلانية التكنولوجية المتطورة لم تقض دفعة واحدة على الخرافة والشعوذة. ومن الامثلة على ذلك تخصيص الصحف مساحات للنجوم. وتوجد كذلك فى المجتمع الاميركى جمعيات تحتكم الى الغيبات فى تفسير الظواهر الاجتماعية المادية. والحال انه يوجد فى هذه المجتمعات نتاج فنى يستلهم الافكار الغيبية، ويوظفها منتجوها لفهم العلاقات بين الناس، واستشفاف المصير البشرى فى الكون. وهكذا فان قضية علاقة الاشكال الفنية بالايديولوجية ليست ميكانيكية دائما، بل ثمة اختراقات وتجاوزات للايديولوجى. وبهذا الصدد فان لحظة الكتابة الابداعية فى مرحلة تاريخية معينة تستهدف تغيير الايديولوجية والعناصر الجمالية التى تبشر بها، او توظفها لخلق ما يمكن تسميته بالعصبية الايديولوجية التى تنتج بنية المشاعر. ويستنتج الباحث ان لوكاتش قد عالج هذه المسألة بشكل دقيق من خلال ملحمة البرجوازية، بمعنى ان الرواية ليست بالضرورة شكلاً فنياً لتبرير وترسيخ المجتمع البرجوازى بقيمه واساليب انتاجه وجماليته، وتكشف الملحمة عن تشرد واغتراب الانسان فى المجتمع، وهذا يعنى ان الرواية لا تثبت معطيات وفلسفة البرجوازية انما تتجاوز ذلك الى سبر التشويهات التى تلحقها العلاقات الاخلاقية بالانسان المعاصر بما فى ذلك الاديب الذى يعيش ويكتب ضمن مجتمع متعدد الانواع، فالاديب يرسم هذه الامور ويعكس صورة التعقيد الكلى للمجتمع. ويذكر ان لوكاتش يعتبر العمل الادبى الواقعى غني على نحو معقد وشامل بما فيه من شبكة علاقات بين الانسان والطبيعة والتاريخ.. ويوافق الباحث من جهته على امكانية الفصل بين المضمون والشكل فى التطبيق والممارسة وانهما متمايزان نظرياً وفقا للنظرية القائلة بامكانية الفصل النسبى بين البنية الفوقية والبنية التحتية. وبسبب ذلك فاننا نستطيع ان نتحدث عن علاقات متنوعة بينهما، ويلخص الموقف فى ان النقد الماركسى ينظر الى ترابط الشكل والمضمون على نحو جدلي. ويؤكد فى النهاية اسبقية المضمون فى تحديد واقرار الشكل ومنحه بعض الدور فى العملية الابداعية.. وبخصوص علاقة الايديولوجية بالشكل الفنى يرى الباحث من خلال الموروث الماركسي انه يلفت نظرنا الى تنظيرات ليون تروتسكى الذى يعتقد بان العلاقة بين الشكل والمضمون تقرر بواسطة واقع ان الشكل الجديد يكتشف ويعلن عنه ويستنبط تحت ضغط الحاجة الداخلية للمطلب الجماعى النفسي وانه مثل اى شيء اخر له جذوره الاجتماعية. ويعلق على مقولة تروتسكى بان التطورات الدائمة فى الشكل الادبى ناتجة عن التغييرات الهامة فى الايديولوجية.. وبطبيعة الحال فان هذا التوجه يفترض ايضا ان مهمة العملية الابداعية هى ايجاد وسائط فنية قادرة على تبرير وتنويع المعطى الايديولوجي. ومما لا شك فيه ان هذا النوع من الافتراضات قد افرز مجموعات من المشكلات الجمالية والاخلاقية وفى مقدمتها حرية التعبير، وحرية اختراق السياسة وتصور الممكن الذى يقع خارج هيمنة الايديولوجية ومن هنا نفهم معاناة الأدباء فى المجتمعات التى يتحكم فيها الحزب الواحد الذى يسن للجميع حدود ما يعبر عنه.