في الخمسينيات مجلس الإعمار وأسابيع مشاريعه المنجزة

في الخمسينيات مجلس الإعمار وأسابيع مشاريعه المنجزة

أحمد عبد السلام حطاب

تحسنت إيرادات العراق النفطية في عام 1952م. حيث زادت واردات العراق من النفط المصدر من (3) ملايين دينار عراقي في عام 1949، إلى (50) مليون دينار عراقي في عام 1953، وجاءت تلك الزيادة بعد عقد وزارة نوري السعيد (الحادية عشر) اتفاقية مناصفة الأرباح مع الشركات الأجنبية العاملة في نفط العراق في عام 1951، ولكن هذه المعاهدة لم يصادق عليها المجلس النيابي العراقي إلا في شباط 1952،

ومن حينها أصبح بالإمكان البدء بمشاريع الإعمار والبناء، وتفعيل عمل مجلس الإعمار الذي تأسس بموجب قرار رقم 7 لسنة 1950م وتعديلاته في السنوات اللاحقة، ويترأس المجلس رئيس الوزراء، وبعضوية وزيري الإعمار والمالية وستة أعضاء آخرين، يشكلون سكرتارية المجلس، إضافة الى اللجان المختصة والتي ترتبط بوزير الإعمار، وخلال أسبوعي الإعمار كان نوري السعيد رئيس المجلس كونه رئيس الوزراء، ووزير الإعمار ضياء جعفر. * وتركزت أهداف المجلس بالدرجة الأساس على النهوض بالواقع العمراني، الاقتصادي والصناعي في العراق، ورفع مستوى معيشة الشعب من خلال الوظائف وفرص العمل إلى ستوفرها المشاريع المنجزة، ووضع منهاج تنفيذ للمشاريع المتعددة، مع تقديم تقرير سنوي حول ما تم إعماره والمقترحات للمشاريع الجديدة. وقد تمكن هذا المجلس من إنجاز مشاريع تنموية وخدمية كبيرة لا يزال العراق يحتفظ بقسم كبير منها مثل: (مشروع سد وبحيرة الثرثار، سدة الرمادي وبحيرة الحبانية، مشروعي سد دوكان و سد دربنديخان، جسور في وبغداد والموصل ومختلف مدن العراق–– معامل ومصانع للأسمنت والسكر والنسيج والنفط والغاز ومحطات للطاقة الكهربائية– إنشاء الطرق البرية وسكك الحديد، إضافة الى مشاريع الإسكان... الخ). وقد توزعت تلك المشاريع على جميع محافظات العراق تقريبا. غير أنه ومن المؤسف أن نشاط المجلس ومهامه تراجعت بعد عام 1958م. أخذين بنظر الاعتبار إن الكثير من المشاريع التي أنجزتها ثورة 14 تموز هي من تخطيط مجلس الإعمار، وسيأتي ذكرها لاحقا.

وتميز مجلس الإعمار بافتتاح مشاريعه المنجزة خلال فترة عمله في العهد الملكي في أسبوعين، الأسبوع الأول في نيسان 1956، والأسبوع الثاني في آذار 1957.

أسبوع الإعمار الأول:

ابتدأ أسبوع الإعمار الأول في الأسبوع الأول من شهر نيسان 1956، وتم افتتاح عدة مشاريع مهمة، من أهمها مشروع الثرثار الذي غير وجه العراق المعاصر بإنهائه مشكلة الفيضان، وأصبحت بغـداد في مأمن من هذه المعاناة التاريخية التي استمرت لعدة عدة قرون،وأخرها كان فيضان 1954. افتتح الملك فيصل الثاني أسبوع الإعمار الأول بافتتاحه مشروع الثرثار في الثاني من نيسان، حيث توجه الى مدينة سامراء بقطار خاص يصاحبه خاله ولي العهد عبد الإله، وجمع من الوزراء والأعيان، في مقدمتهم نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك، ووزير الإعمار ضياء جعفر. وخلال تواجده في المدينة زار الملك ومن يرافقه مرقد الإمامين الهادي والعسكري (ع)، وبعدها افتتح المكتبة العامة الجديدة في سامراء، وتوجه بعد ذلك الى موقع حفل الافتتاح، ومشروع الثرثار يتكون ومن سد على نهر دجلة مقابل مدينة سامراء ومرتبط بناظم لتصريف مياه الفيضان في حالة حدوثه الى منخفض الثرثار. وهذا المشروع من ضمن ما اقترحه المهندس البريطاني المعروف السير وليم ويلكوكس الذي زار العراق واعد دراسة عن أحوال الري ومعالجة مشكلة الفيضان في نهري دجلة والفرات في بداية القرن الماضي. وفي الخامس من نيسان افتتح الملك فيصل الثاني مشروع الحبانية في مدنية الرمادي والهدف من المشروع هو القضاء كليا على خطر الفيضان في نهر الفرات، ووصل الملك بطائرة خاصة الى معسكر الحبانية وتوجه منه الى مدينة الرمادي لافتتاح المشروع، والمهندس البريطاني ويليم ويلكوكس هو أيضاً صاحب فكرة أقامة سد لتوجيه مياه الفيضان الى منخفض الحبانية، وقد دعت الحكومة العراقية السيدة ماك كليوب ابنة المهندس ويلكوكس الى حفل الافتتاح، كتقدير لجهود والدها تجاه العراق. أما بقية المشاريع التي افتتحت، جسري الحلة والهندية، وطريق الحلة _الكوفة _النجف، وقام بافتتاحها رئيس الوزراء آنذاك نوري السعيد، وكانت تكلفة مشاريع المفتتحة في هذا الأسبوع، 21 مليون دينار عراقي.

أسبوع الإعمار الثاني:

إمـا أسبوع الإعمار الثاني فقد صادف الأسبوع الأخير من شهر آذار 1957، وابتدأ بافتتاح الملك فيصل الثاني جسر الملكة عالية (الجمهورية الآن) الرابط بين كرادة مريم من جهة الكرخ، والباب الشرقي من جهة الرصافة، وصاحبه في الافتتاح ولي العهد آنذاك عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد. وبعدها تم افتتاح جسر الأئمة الرابط بين الكاظمية والاعظمية، ووضع الملك فيصل الثاني حجر الأساس للمتحف العراقي الجديد في منطقة الصالحية، والذي تم الانتهاء منه في عام 1966، وهو من تصميم المعماري فرانك لويد رايت، وافتتح الملك فيصل الثاني أيضاً معمل الألبان في أبو غريب الذي شيدت مبانيه الحكومة العراقية وقدمت منظمة (اليونيسيف) المكائن والمعدات، كذلك وضع الملك فيصل الثاني حجر الأساس لمشروع إسكان غربي بغداد المتضمن بناء خمس وعشرين إلف بيت لغاية عام 1960، وهذا المشروع مقترح من قبل شركة دوكسيادس البولندية، والمكلفة من قبل الحكومة العراقية بوضع خطة لحل مشكلة السكن في العراق، وتقضي الخطة ببناء 400 ألف دار بحلول عام 1980 في عموم العراق، وتم افتتاح 120 دار ضمن هذا المشروع في منطقة الوشاش، وألف دار في منطقة الشالجية لعمال السكك، وفي نفس الأسبوع إقامة المؤسسة المذكورة معرض الإسكان في مديرية السكك الحديد، بحضور مديرها، وعرضت الشركة رؤيتها لحل ازمة السكن في العراق، وافتتح المعرض نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك.

وفي عام 1957 عهد الى مؤسسة (مونوبريو وشرؤكاه) وهي شركة بريطانية للتخطيط الحضري، لتقديم تخطيط أساسي لمدينة بغـداد ينفذ على مدى 20 عاما، الا انه استبدل بالتصميم الذي وضعته مؤسسة دوكسيادس سنة 1959 م.

وخلال نفس الأسبوع افتتح الملك فيصل الثاني معمل النسيج القطني في الموصل ووضع حجر الأساس لمعمل السكر في الموصل أيضا، وبعدها تحول إلى السليمانية حيث افتتح معمل الإسمنت الحكومي في سرجنار، وأخر يوم كان تفقده لمشروع سد وخزان دوكان العملاق في مدينة السليمانية، الجاري إنشائه في وقتها، والذي بدأ العمل فيه عام 1954 واكتمل بنائه سنة 1959.

وخلال الأسبوع الثاني أيضا افتتحت عدة مشاريع أخرى من قبل الأمير عبد الإله ولي العهد آنذاك منها وضع حجر الأساس لمحطة كهرباء المنطقة الوسطى، وافتتاح محطة الإذاعة الجديدة في أبو غريب، وطريق بغداد _المحمودية وبغداد _ الفلوجة، وافتتح نوري السعيد رئيس الوزراء في حينها المكتبة الذرية التي أهدتها الحكومة الأمريكية للعراق، تزامنا مع إنشاء العراق المختبر المركزي لبحوث الذرة المرتبط باللجنة الذرية في مجلس الاعمار لمواكبة التقدم العالمي الحاصل في هذا المجال، وافتتح وزير الإعمار ضياء جعفر محطة مبزل الصقلاوية، ومشروع مزارع المسيب الكبير الذي يتضمن إنشاء مزارع حديثة للفلاحين، وقد تجاوزت تكلفة المشاريع المنجزة في أسبوع الإعمار الثاني 27 مليون دينار عراقي.

المشاريع التي أكملت ونفذت بعد ثورة 14 تموز:

.وكانت هناك عدة مشاريع كانت قيد الإنشاء أثناء قيام ثورة 14 تموز، مثل بناية البرلمان العراقي في كرادة مريم، ومدينة الطب في باب المعظم، إضافة الى الكليات المجاورة لها، التي انتهت أخر مراحل تشيدها عام 1970، ومستشفيات الكرخ و الكاظمية، وبناية جامعة بغداد في الجادرية التي اختار موقعها وصمم بنايتها وبوابتها الحالية المهندس الألماني والتر غروبيوس، كذلك المركز المدني في شارع الجمهورية الذي شيدت بناياته في مطلع الثمانينات والذي يضم مبنى أمانة العاصمة، ومبنى دائرة إسالة ماء بغـداد، و المركز المدني كان مقررا له من مجلس الأعمار أن تبنى فيه مكتبة عامة ومعرض للفنون للجميلة، وحدائق واسعة ليصبح مركز ترفيهي في وسط بغـداد، وهناك عدة سدود ومشاريع أروائية بدء المجلس بتنفيذها وافتتحت بعد الثورة مثل سد (دربنديخان) في السليمانية الذي ابتدا العمل فيه سنة 1956 وافتتح سنة 1961، وسد (بطمة) المقام على نهر الزاب الصغير، وخزان بخمة المقام على نهر الزاب الكبير، وكان مقرر ضمن خطة المجلس التي تنتهي في عام 1960 إنشاء معمل الورق في البصرة، ومعمل الحديد والصلب في جنوب العراق، واختيرت مدينة البصرة عند إنشاءه، وطالب مجلس الإعمار وقتها بإنشائه لتلبية حاجة المشاريع المتزايدة من الحديد والفولاذ، وتقليل كلفة الاستيراد.

المشاريع التي لم تنفذ بعد ثورة 14 تموز: وهناك مشاريع لمجلس الإعمار خطط لتنفيذها وتوقفت بسبب قيام ثورة 14 تموز، ولم تنفذ بعد الثورة، مثل دار الأوبرا المصممة من قبل المعماري الشهير فرانك لويد رايت في كرادة مريم، ومطار بغـداد الجديد في الدورة، وفندق حديث في بغـداد، وكان هناك اتفاق مع شركة هيلتون الأمريكية الشهيرة لإدارته بعد اكتمال بنائه، إضافة الى فندق كبير في مدينة كربلاء، وملعب رياضي لكرة القدم يتسع لسبعين إلف متفرج قرب المحطة العالمية في الكرخ.