بغداد وصحف منسية عن مواضع مجهولة..آل باش اعيان بيت بغدادي عريق

بغداد وصحف منسية عن مواضع مجهولة..آل باش اعيان بيت بغدادي عريق

■ فؤاد طه محمد الهاشمي البغدادي
شارع القشلة:المدرسة الحميدية
كانت مدرسة الحقوق قد انتقلت من (حلب) بمساعي حثيثة من لدن الزعيم الوطني الكبير(يوسف السويدي) حيث تمكن من اقناع والي بغداد المرحوم (ناظم باشا) بذلك، وقد جرى افتتاحها في شهر تموز(1908) وهي السنة التي اعيد فيها الدستور وكان معطلاً.

واتخذت مدرسة الحقوق مكاناً لها في بناية المدرسة الحميدية في شارع القشلة-السراي بجوار مبنى امانة بغداد الشاغر اليوم وبقيت في تلك البناية الى يوم دخول القوات البريطانية الى بغداد 11/آذار/1917 لتستقر في مبنى وزارة الداخلية القديمة في نفس شارع القشلة الذي عرف باسم (شارع مدحت باشا) ثم اتخذت البناية مقراً لحكام التحقيق.
وكانت ادارة مدرسة الحقوق قد تولاها عراقيون واتراك برئاسة المرحوم (موسى الباججي) الذي احسن ادارتها ، اما الاعلام الذين درسوا فيها منهم:
* يوسف العطا:وعهد اليه تدريس الفرائض والوصايا واصول الفقه الاسلامي.
* جميل صدقي الزهاوي:اسند اليه تدريس(مجلة الاحكام العدلية) في بعض صفوف المدرسة ، وهو الذي القى قصيدة (فصول) في يوم افتتاحها.
* المحامي عبد الله وهبي:من الموظفين الاتراك درس العقود الحقوقية وعلم الجزاء.
* فؤاد بك:وهو تركي من رجال القانون ، كان يشغل مهمة رئاسة محكمة التجارة في بغداد ، قام بتدريس التجارة البرية والبحرية.
* نجاتي افندي:وهو كذلك تركي درس موضوع الصكوك الجزائية والحقوقية او ما كان يعرف بـ (التطبيقات القانونية).
*ابراهيم اللاز:تركي قام بتدريس احكام الاوقاف كان رئيساً لمحكمة الاستانة ثم نقل قاضياً لمحكمة بغداد الشرعية.
* حمدي الباججي:عهد اليه تدريس موضوع الاقتصاد.
* عارف يوسف السويدي:قام بتدريس مجلة الاحكام العدلية ووالده هو الساعي الى وجود هذه المدرسة.
والبناية التي ذكرناها تضم اربعة صفوف وقد تسنى لها سنة التخرج 1911 تخريج الدفعة الاولى من طلابها وهم السابقون في بناء الدولة العراقية الحديثة.
وبعد ان تولى المرحوم حكمت سليمان وظيفة قائمقام مركز بغداد في مطلع سنة 1914 ولمدة يسيرة انيطت به مديرية مدرسة الحقوق ولما شغل وظيفة مدير معارف بغداد وكالة كان عليه ان يؤدي المهمتين معاً وقد أداهما بكفاية عالية.
وقد اغلقت المدرسة مع اعلان الحرب العالمية الاولى ولم يجر افتتاحها الا في شهر تشرين الثاني 1919 حيث عاد لاكمال الدراسة فيها حوالي خمسين طالباً فمنهم من درس ستة شهور او سنة واحدة ، وجرى الاختبار فتخرجوا جميعاً.
وحرصاً من هذا القلم على تتبع المواضيع التي شغلتها دوائر الدولة فان الادارة السياسية المحتلة التي ادت دوراً في تنظيم شؤون الجهاز القضائي في (ولاية بغداد) فباشر الرجل مهمته في شهر تشرين الاول 1917 واتخذ له مكتباً داخل مبنى وزارة المالية في سراي الحكومة ولما كانت دار الوجيه البغدادي(مناحيم دانيال) قد خلت وهي تقع في مخل شريعة التمر لقربها من خان التمر فقد نقل مكتبه اليها ثم عاد هذا المكتب الى شارع القشلة في (بناية المحاكم العدلية).
ولقد اورد المرحوم (احمد زكي الخياط) في كتابه (تاريخ المحاماة في العراق 1900-1972) معلومات قيمة حول بدايات تأسيس المحاكم في العراق ، وعرج على الكثير من تلك الدوائر وعين اماكنها ، ومن كتابه هذا استللت الكثير من المعلومات ولولا جهده لضاعت كما ضاع الكثير من امثالها.
مما يمكن الحاقه بشارع القشلة او بناية القشلة نفسها مبنى المحكمة الشرعية، جاء في هامش الصفحة 48 من الكتاب المذكور هامش (1) عين العلامة الحاج علي علاء الدين الالوسي رئيساً للمحكمة الشرعية ببغداد وعين العلامة عبد الوهاب النائب رئيساً لمحكمة الصلح وكانت هذه المحكمة قد اتخذت مكاناً للمرافعة في غرفة (المكتوبجي) المجاورة لغرفة الوالي في (سراي الحكومة) ومعه يوسف الطبقجلي كاتباً اول وعبد الحميد عبادة كاتب ضباط اول وجعفر حمندي كاتب ضبط ثاني مع خمسة موظفين آخرين.
قال المرحوم احمد زكي الخياط منوهاً بمصير بناية مقر الولاية (كنت اتردد على هذه المحكمة عدة مرات اسبوعياً لاستمع الى المرافعات لقد جرف نهر دجلة في عام 1922 بناية قصر الولاية هذه بأكملها فأصبحت اليوم اثراً بعد عين) وسبب انهيارها هو كونها قائمة على مسناه ليست رصينة مما سهل لامواج دجلة ان تسقط أساسها الذي قامت عليه فانهارت جاثية على وجهها.

اول تظاهرة شعبية في شارع القشلة
ذكر المرحوم ابراهيم الدروبي في كتابه (البغداديون اخبارهم ومجالسهم) ط1958 ص15-16.
(من اطرف الحوادث التي خطر في بالي تدوينها كصفحة من صفحات تاريخ بغداد في العصر العثماني حادثة سنة 1322هـ/1904م، حيث ان الوالي عبد الوهاب باشا اراد ان يسجل عدد النسوة في العراق ويعطي لكل واحدة منهن تذكرة عثمانية ودفتر نفوس ولاسيما مدينة بغداد والبصرة والموصل بناء على طلب سلطاني صدر اليه من دار الخلافة الاسلامية-استانبول-ولما شاع الامر بين جموع اهالي بغداد قامت قيامتهم لما يحتفظون به من تقاليد موروثة وعادات عربية معروفة ، بان هذا الامر الذي اقدم عليه الوالي يمس شرفهم ويحط من قدرهم وكرامتهم ، فخرج الرجال من اهالي باب الشيخ والصدرية وراس الساقية وفضوة عرب يتقدمهم السيد احمد النقيب نجل السيد علي النقيب واهالي محلات بني سعيد وقنبر علي والفضل يتقدمهم رؤساء تلك المحلات معلنين السخط والاستياء تتقدمهم الطبول والدمامات والابواق مسلحين بالسيوف والقامات والخناجر والبنادق والمسدسات، باهازيج شعبية وهوسات بغدادية ، حتى جر الامر الى الاصطدام بين جموع الاهلين والجاندرمة واحتشد الجميع ومعهم اهالي جانب الكرخ بطبولهم ودماماتهم واهازيجهم يتقدمهم رؤساء محلاتهم كما ان بعض النسوة من تلك المحلات خرجن بمظاهرة ايضاً فقصد الجميع (سراي الوالي) ولم يخرجوا الا بعد ان قرر الوالي تأجيل النظر في امر التسجيل.
توفي السيد احمد النقيب نجل السيد علي النقيب سنة 1355هـ-1936م.
بناية المحاكم المدنية
يفصل بينها وبين القشلة درب يفضي الى ما يعرف بشريعة المحاكم وبكل من هاتين البنايتين باب ضخمة تواجه الاخرى ، وهي في الاصل دار للاسرة البغدادية القديمة المعروفة بـ (كوسة دفتردار) كما بين ذلك المرحوم ابراهيم الدروبي في كتابه (البغداديون اخبارهم ومجالسهم) ص138 حيث قال: هذا البيت معروف ومشهور بالعلم والادب ، ودارهم مشتهرة في جانب الرصافة ، وهي اليوم مقر المحاكم المدنية ، وصاحبها(كوسة دفتردار) كان فاضلا اديبا يتردد على مجلسه العلماء الفضلاء وتوفي سنة 1810م ودفن في الاعظمية.
جاء في كتاب(تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل) للدكتور احمد السعيد السلمان ، طبع دار المعارف بمصر 1977 من 98-104 باختصار: (الدفتر من الكلمة اليونانية دفتيرا ، بمعنى جلد الحيوان لانه كان يستعمل للكتابة دخلت العربية قديماً ودخلت الفارسية ايضاً يلفظها جماعة الصحف وقد اخذ العثمانيون وغيرهم من اصحاب الولايات التركية الاناضولية التي ظهرت بعد انهيار السلاجقة الروم اسم (الدفتردار) عن الايلخانيين الذين حكموا الاناضول وحولوا دولة السلاجقة الى دولة تابعة والكلمة كانت معروفة في النصف الاول من القرن الخامس عشر وكانت(الدفتردار) بمثابة وزير للمالية وقد وردت الكلمة بمعناها الاسلامي في قانون محمد الفاتح.
فقد ورد فيه: وما الملك وكيلي دفتردار مدر ، أي:ووكيل مالي هو دفترداري.
وينص هذا القانون على ان يكون فتح خزانة المال وخزانة الدفاتر واغلاقها-اذا لزم الامر-بمحضر من الدفتردار، وينص ايضاً على ان الباش دفتردار اذا اكل في الديوان الهمايوني فعلى مائدة الصدر الاعظم نفسه وعند التهنئة بالعيد يُعامل الدفتردار كما يعامل الوزير فيقف له السلطان.
وكان للدولة العثمانية دفتردار واحد ، فلما اتسعت البلاد بالفتوح احتيج الى اكثر من دفتردار ، وكان للدفتردار في تركية في القرن السابع عشر مبنى خاص هو باب الدفتردار(دفتر دار قابسي) او (باب دفتري) ويضم بابه عدداً من الاقلام على كل قلم رئيس يقال له (خوجه) يليه الخليفة ثم الكتبة وفي سنة 1253هـ/1838م أنشئت في تركية وزارة المالية وانتهت الدفترداريات ، ولكن كلمة دفتردار بقيت الى ان الغيت في تركية سنة 1841م اما بالنسبة للسيد ابراهيم فصيح ابن السيد صبغة الله الحيدري البغدادي فقد ذكر في كتابه (عنوان المجد في بيان احوال بغداد والبصرة ونجد). وهو بيت سيادة وفضل ومجد وسيف وقلم من البيوت المشيدة الاركان ولهم الخيرات الوافية ، وهم من اهالي اسلامبول ص96 طبعة دار الحكمة 1998 ولم يزد على ذلك مع انه عاش بعد هذا البيت الى سنة 1882 وشهد البقية الصالحة منهم.
ان وفاة كوسة دفتردار كانت سنة 1225هـ-1810م وهي السنة التي قتل فيها الوزير سليمان باشا وكان عمره (25) سنة وقد سار سيرة حسنة في اهالي بغداد كما جاء ذلك في دوحة الوزراء ومطالع السعود وتاريخ الكولامند ، وكان على دفتردارية بغداد سنة وفاة كوسة الحاج محمد سعيد الدفتري الذي عزل من وظيفته ليحل محله داوود الدفتري ، اما كبير(الينكجرية) (الانكشارية) او(الجيش الجديد) فصار في هذه السنة (عبد الرحمن الاورفلي) وهو من اغوات الموصل وعميد اسرة الاورفلي الذين تعرف بهم تلك المحلة الواقعة خارج باب كلواذي-الباب الشرقي- الى الشمال من ربض البتاوين . ان اخبار الدفتردار كوسة قليلة وقد كان وجهاً طيباً من وجوه بغداد ومن اعلام القشلة في وقته.

قصر الشابندر
ويعرف اليوم بـ (مقهى الشابندر) تلك المقهاة التاريخية التي تألقت في سماء بغداد جوهرة نيرة ومجلس شعر وادب واخبار وتراث وملتقى للمؤرخ والصحفي والاديب والشاعر ومحب التراث قال المرحوم ابراهيم عبد الغني الدروبي في كتابه (البغداديون اخبارهم ومجالسهم) ص158:ولآل الشابندر مجلس عامر في دارهم الواقعة في رأس الجسر القديم ، يجمع ارباب الفضل والكمال واعيان البلد كان يعقده محمود الشابندر ويتردد عليه وجوه التجار).
والحقيقة فان دار ال الشابندر تقع زاويتها على ملتقى شارع القشلة وشارع الاكمكخانة (المتنبي) وبابها تواجه سوق السراي ، وللقلم عليها بقية كلام...هذه الدار هي قصر الوجيه البغدادي المرحوم محمد سعيد الشابندر اما ما ذكره الدروبي فهو بيت محمود الشابندر وقد خص ولده الوزير في حكومة رشيد عالي الكيلاني المرحوم موسى الشابندر بذكريات بغدادية تثير الحنان والالم الدفين ، وكتاب ذكريات بغدادية اسمى نموذج في تخليد سير تلك الاسر الكريمة ، وهذه الاسرة البغدادية لم يبق لها مما يقرن باسمها الا مسجد في الاعظمية وخان في شارع المستنصر وقد بيع بثمن بخس وهذا المقهى ، وقد جرت عدة محاولات لبيعها لولا كفاح الحاج محمد ابن كاظم ابن سعودي الخشالي عميد المقهى ذلك ان وكلاء اسرة الشابندر لم يكونوا بمستوى الوعي في حفظ التراث والمحافظة على الاثر فتمزقت املاك الاسرة وصارت اباديد بيد الدلالين لقد قدم هذا الرجل الصابر خمسة من انجاله الكرام شهادة عالية في حب بغداد يوم كان افراد قلائل من اسرة الشابندر في لبنان وديار الغرب لا يدرون بالمطحنة التي دارت رحاها على شباب العراق فلا يعرف القاتل لماذا قتل ، ولا يدري القتيل لم قتل!! ان دماء الابرار غانم وكاظم ومحمد وبلال وقتيبة كل قطرة زكية منها هي جوهرة في تاج بغداد وان من باب التكريم ان تنتقل ملكية المقهى وما حولها من بقية الابنية الى الارامل الاربع والى ابناء الشهداء وهم احد عشر بيتاً تزدهي جدران المقهى بصور اولئك الهداة الراحلين الباقين ، الذين كانوا زينة السراي والقشلة والمتنبي ومطبعة ابن العربي ومقهى الشابندر!!
من ذكريات موسى الشابندر عن هذه البناية يوم كانت مطبعة شهيرة قوله ص44 (واحياناً نذهب الى المطبعة فنتفرج على الطيور...كان لوالدي مجموعة طيور حمام ، وكان محلها في دار المطبعة وعلى اعمال الطبع).
ولما كان بيت الشابندر- كمعظم بيوت سروات بغداد- يعتني بأمر الصبيان فيه كان اللالوات فان الجديد كان اسمه غلام محمد وكان عمل حارساً في المطبعة وهو نصف مجنون ، لكنه رجل طيب ومتدين يقضي الليل بالذكر والصلاة ، ويشيخ ويضرب الحائط برأسه)
وفسر السيد موسى اللالا بانه الخادم المربي وذكر من اسماء اللالوات في قصر الشابندر كلاً من:
علي مردان:وهو رجل من الاكراد ومعه ابنه حسن.
لالا عبد النبي الافغاني:وكان يلبس جبة وعمامة وله مظهر العلماء وسمعة طيبة بانه احسن لالا في بغداد.
لالا غلام حسين:وهو هندي كان يترجم بعض القصص من الكتب الهندية والفارسية.
وكانت بيوت الالوسيين والمميز والاثري والخوجة والزهاوي فيها لالوات يعتنون بالصغار ويرافقونهم الى الملالي (الكتاتيب) او يعودون بهم الى البيت عند (الصرفة) قبيل غروب الشمس.
وقد ذكر السيد موسى الشابندر ان (موشي افندي) كان مدة من الزمن هو مدير مطبعة الشابندر: (عندما كنا اولاداً صغاراً نذهب الى المطبعة وكان موشي افندي مديرها وكنا نعتقد انه من الاعاظم ، ومع ذلك فانه رجل شريف وامين...وابن اوادم) ص75.