بين تاركوفسكي وهمنغواي

بين تاركوفسكي وهمنغواي

علاء المفرجي
تختار الناقدة أمل الجمل في كتابها (القتلة.. بين هيمنغواي وتاركوفسكي)، الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، جانباً من هذا الموضوع يعتمد قراءة تحليلية لفيلم تاركوفسكي الأول المأخوذ عن قصة قصيرة لارنست هيمنغواي.

ما يميز قراءة الجمل التحليلية لرؤيتين مختلفتين لموضوع واحد.. هو الجهد المضني الذي اعتمدته في دراستها فيما خص القصة والفيلم، حيث عمدت إلى تفكيك المعالجتين (القصة والفيلم) لتسيطر عليها (الغواية) في عقد مقارنة متأنية بينهما لإبراز الأصول المشتركة أو القرابة التكوينية بينهما، وأيضاً توضيح أوجه الاختلاف.. مع الأخذ بالاعتبار كونهما جنساً إبداعياً مختلفاً قائماً بذاته له أبعاد جمالية وفكرية متفاوتة.
(منحازة أنا إلى اندريه تاركوفسكي) بهذه العبارة تبدأ الجمل كتابها.. وهو الأمر الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه انحياز واضح لهذا المخرج الذي يعد شخصية استثنائية في عالم الفن السابع، وتعبيراً مغايراً عن واحدة من اعرق السينمات وأغناها في العالم، واعني هنا السينما الروسية التي أغنت تاريخ الفن السابع بأساطينها الخالدة وأعمالها الكبيرة.. وهو المخرج الذي تجلت بداياته بحس المغامرة والخروج عن السائد، وهو المنحدر من عائلة مثقفة، فوالده الشاعر الروسي الشهيد أرسيني تاركوفسكي.
فبعد فيلمه الذي لفت الأنظار إليه وحمل عنوان (طفولة إيفان)، أهدى السينما أحد أجمل الأفلام السينمائية: أندريه روبيلوف، وهو بورتريه عن فنان روسي أواخر القرن الخامس عشر، وأكثر أعماله تعبيراً عن أساليبه الإخراجية ولغته السينمائية، وكان أيضاً بداية مشاكله مع الرقابة. ثم تتالت أعماله (سولاريس) عن رائد فضاء فقد زوجته لكنه يجدها في وقائع غريبة على الكوكب الذي أرسل إليه من وكالة الفضاء التي يعمل فيها للتحقيق في حوادث غامضة، وكذلك أفلام (المرآة) و(حنين) وغيرها.
قصة هيمنغواي (القتلة) تمثل أنموذجاً للموضوعات التي احتلت وشكلت متن أعماله طوال حياته.. الثيمات التي (لا تكف عن تكثيف كل ما يجسد العبثية ولا جدوى الحياة) وهي (أي القصة) كما ترى المخرجة تنطوي على عناصر تخدم فكرة الاستعارة والرمز، خصوصاً في ما يتعلق بمصارعة الثيران.. حيث القتل العمد المدبر لشخصية أولي أندرسون معادل تقتل الثيران في حلبة المصارعة.
أما فيلم (القتلة) لتاركوفسكي فهو شريطه الأول، وكان مشروع تخرج له في معهد السينما، حيث اشترك في إخراجه مع صديقه الكسندر جوردون، مخرجاً مشهدين من أصل ثلاثة.
ومثلما ألهمت قصة هيمنغواي، أكثر من جيل من الكتاب في أكثر من مكان.. حتى أصبحت إحدى العلامات الفارقة في مسيرة هذا الكاتب الذي يعد احد أهم أعمدة الأدب الأمريكي وكان لتجربته الشخصية في الحياة أثر كبير في أعماله، خاصة تجربة مشاركته في الحروب التي عاصرها كمراسل حربي، وخاصة في الحربين الكونيتين الأولى والثانية وكذلك الحرب الاسبانية.
نقول مثلما كان لهذه القصة أثرها في المشهد الأدبي العالمي.. فإن أثرها الاقوى كما - ترى الجمل- جاء عن طريق الفن السابع.. فقد شهدت هذه القصة أكثر من معالجة مرئية حيث تم اقتباسها إلى السينما مرتين، بالإضافة الى فيلم تلفزيوني.. المعالجة الأولى كانت من خلال فيلم روائي طويل عام 1946 حمل توقيع المخرج الألماني روبرت سيودماك، وجسد بطولته برت لانكستر، وآفا غاردز ومحاولة أخرى لمعالجة القصة كانت من خلال فيلم تلفزيوني عام 1964 وقعه المخرج دون سيجيل.