من أجل الفنان المطرب فؤاد سالم

من أجل الفنان المطرب فؤاد سالم

نعيم عبد مهلهل

لم اكن املك لفؤاد سالم حينها وانا اجوب بخطواتي شوارع البصرة مع الشاعر طالب عبد العزيز والقاص الدكتور لؤي حمزة عباس وعلي النجدي وصفاء ذياب وعلي الحسينان في اخر مشاهدة لي لهذه المدينة السندبادية التي ترسو بعاطفتها على اجمل رموش لنساء في هذا العالم.

سوى أن اخبر ليل البصرة بمحنة فؤاد سالم مع المه وخفقات قلبه الضعيفه وحزنه ان لايتكرر مشهد موت المنفى كما مع البياتي والجواهري ومصطفى جمال الدين وحيدر سعدي يوسف وهادي العلوي الذين يسكنون في بيوت صمت ابدية المهجر غير بعيد عن شقته، لقد كان يتمنى لحدا بصريا كما السندباد والفراهيدي والسياب وهو جدير بهذا لانه اعطى من صوته عذوبة لاتطاق وهام باشواقه الجنوبية بين مراكب الغرام وغابات النخيل وبيادر الحقل ومصانع الكادحين لهذا بات من الصعب رغم الهجرة الطويلة التفريق بين البصرة وفؤاد سالم. فهو كغيره من مبدعيها جزء من ذاكرة تاريخ لن ينتهي أو يشيخ رغم أن حاضره الجديد لم يطل الينا بالامنيات كلها وكان علينا ان نعيد في ساحات مدارس البصرة صباح كل خميس عبق اغنيات اوبريت بيادر خير او نعلمهم شدو الهمس الوطني لحنجرة فؤاد وغيره من صناع الحلم الجميل لوطن ارادوه ان يكون ملونا بالورد وعثوق النخل وبدلات العرس ولكنه حد هذه اللحظة تلاوينه الموت والمفخخات والمليشيات وازبال البلدية التي تغض الطرف وتوقع العقود.

اسير في البصرة واراها هكذا، ولكني اعرفها هي حالمة ابدية، لن تنسى مبدعيها، إنها تهيم معهم حتى في غربتهم.

احدهم يقول: إن البصرة ليست فقط حكاية سندبادية او صوت لفؤاد سالم او قصيدة للبريكان او قصة حداثوية يطلقها محمد خضير من خجله الجميل لتدهش قارئها بثبات.

البصرة نقطة ضوء تعوم فوق كل تلك المسميات لتخلق اساطيرها من تراكم احساس ولد فيها يوم قال عتبة بن غزوان هنا تُبصر الدنيا ونضع خطوط مدينة، لهذه فأن ابنا بارا لمدينة البصرة كفؤاد سالم حين يمرض، علينا ان نعي حجم المها ورغبتها لتشافيه بدفئها واطبائها واشواقها وادعية فقرائها جميعهم من خمسة ميل وحتى الكزيزة ومن النجيبة حتى الخورة / مدينة تدفع من اجل عشقاها اغلى الاثمان وفؤاد سالم في تاريخ وعرف المدينة وتقليدها غال الثمن. فهي مدينة تؤسطر حسها اتجاه من تريدهم، أولئك الذين اراهم الان يتدثرون بغيوم الحلم والرهبة والابداع. الذين يصلون الهمسة الى حواف سعف النخيل ليصنعوا منها شواطئ عشق واناشيد قطف موسمي للبمبر والبرحي والسمك، الحالمون بالفجر دائما، الرابضون خلف سواتر الحب لايخشون اي نوع من الحروب حتى التي اهجعت فيهم صلوات اللحظة، ورغم هذا يقول البصريون: نحن اكثر مدينة صبرت في الدنيا حين ظلت القنابل تسرح في شوارعها ومرة صار ابنائها طعما لسجون الوطن نفسه، في الحاكمية وابو غريب واقبية الشعبة الخامسة لسنين طويلة..

ولهم اولئك البسطاء، الفقراء، الكادحون، العشاق كان فؤاد سالم يغني، يصنع طربا من عذابات المنفى لاجل سعادة الكاسيت الذي يصل مهربا الى البصرة عبر نقاط حدود الخوف والعقاب، ورغم هذا كانت البصرة تسمع كل جديده واحلامه كانت تولد في البيوت اشجار ورد مثلما كانت تولد هنا في دمشق او اي مكان يتواجد فيه.

الان فؤاد سالم يعاني من الم ابدي يلازم المبدعين دائما وهو خذلان القلب لهم في مرحلة عمرية ما وهذا عائد اصلا الى التضحية التي اصر فؤاد سالم ليقدمها لوطنه جزاء العشق المتوارث بينه وبين العراق، بينه وبين البصرة.

الدعاء لن يكفي، المادة لن تكفي، معهما علينا، واهل البصرة بالذات ان يكتبوا خواطر شوق باصابع الورد لهذا المبدع العراقي ــ البصري الجميل، يتمنون له الشفاء ويبعثوها ببريد غيوم الخريف الذاهبة من البصرة الى دمشق فهي ستصل اليه حتما، وربما سينسى لسنين الام قلبه ويصدح من جديد حبا ببلاد تؤسطر حتى موتها.

بلاد اسمها العراق، بلاد اسمها البصرة.