لمحات من الأدب المجري

لمحات من الأدب المجري

قحطان جاسم جواد
تعرف القارئ العربي على أدب الكثير من الشعوب الاوربية وغيرها عبر حركة الترجمة التي بدأت منذ فترات طويلة.لكن ادب بعض الشعوب،وبخاصة الادب المجري،ظل بعيدا عن الاهتمام والترجمة بالنسبة للمواطن العربي الذي عرف بحبه للشعر والادب عموما. اذ لم ينشر من الادب المجري باللغة العربية سوى محاولات قليلة تعد على اصابع اليد الواحدة.

منها الانطولوجيا التي صدرت في مصر قبل أربعين عاما.وترجمات اخرى لقصائد الشاعرين اتيلا يوجف وشاندور بتوفي قبل عشرين عاما.وقد تسببت لغته المحلية بلعنة على ادبه.وهي لغة تخص مالا يزيد على عشرين مليون نسمة. لذلك ظلت ادابهم محصورة بهم ولم تنتشر عالميا كما اللغات الاخرى.لا بل حرمت من الكثير من الجوائز العالمية.
من هنا تاتي اهمية هذا الكتاب (لمحات من الادب المجري) ترجمة الكاتب ثائر صالح الذي يعرّف الادب المجري للقارئ العربي.وهو في الاصل مقالات نشرت بعضها في جريدة الحياة اللندنية.وهي اول ترجمة من المجرية الى العربية حسب قول المترجم ثائر صالح.ومن ضمن النصوص التي احتواها الكتاب هناك من يعتبرها افضل ما كتبه الادباء المجريون منها قصيدة الشاعر تشوكوناي عن الشاعر الفارسي حافظ شيرازي.او تلك المرتبطة بحدث ما مثل قصيدة ارباد توت الموسومة(كرنفال بلقاني)التي نشرت ايام ازمة كوسوفو والحرب اليوغسلافية عام 1999.
تنتسب اللغة المجرية الى عائلة اللغات الاورالية القديمة،وفرعها الفنوغوري. وقد نشات وتطورت في سهوب غربي سيبيريا ومناطق اسيا الداخلية.بدأت اللغة المجرية بالتكون قبل2500-3000 سنة عندما اضطرت القبائل المجرية الى الهجرة جراء ضغط الشعوب التركية التي فقدت مراعيها بسبب جفاف وذلك في مناطق ما يسمى بشقيريا اليوم.وكان هذا اول لقاء مع الشعوب التركية التي لحقها لقاء اخر عندما اختلط المجريون مع الخرز في القرون6-8 الميلادية.وقد دخلت اللغة المجرية نحو300 كلمة تركية وافدة ضمن المفردات الاساسية للغة.ولا تزال اللغة المجرية تستعمل قرابة500كلمة فوغورية الاصل. وتعتبر اللغة الفنلندية اقرب اللغات الحية المعروفة اليوم الى اللغة المجرية رغم ان الشعبين– المجري والفنلندي–لا يستطيعان التفاهم،ولا يربطهما رابط سوى ان لغتهما تنتسبان الى عائلة لغوية واحدة نادرة. وقد جاء المجريون الى حوض جبال الكاربات في القرن التاسع الميلادي.وهم يحملون ثقافتهم البدائية المميزة لهم لكن لم يبق من الاغاني السحرية المنبثقة عن الديانة المجرية القديمة(الشامانية)والاشعار السحرية واشكال الوعي الميثولوجي البدائي والأشعار الملحمية او قصائد العمل وغيرها من الأشكال الأدبية الأخرى سوى بعض الأسطر واغلبها وصلنا بشكل غير مباشر. وحافظ التراث الشعبي على بعض ملامح الأدب المجري القديم الى اليوم.وفي الآونة الأخيرة كشف البحث العلمي ما تبقى من هذا التراث الادبي القديم.
ومن بين ما كتب عن الأدب المجري القديم يبرز حديث الأسقف غلليرت الذي استمع في ليلة من الليالي أثناء مبيته في قرية بجبال باكون إلى أغنية جميلة قد تكون من أغاني العمل.وحفظ المؤرخون القدامى بعض القصص المجرية البدائية، رغم ان اعتناق المجريين المسيحية أدى إلى محاربة وإبادة كل ماله صلة بالديانة المجرية القديمة.ومن بين أهم القصص قصة(الغزال العجيب)،قصص(طير الرخ) التي تروي أصل المجريين وطريق وصولهم إلى أوربا.وقصص الزعيم الموش، والحصان الابيض،والزعيم. ولا يزال الأدب الشعبي يحفظ الكثير من الوعي البدائي القديم للقبائل المجرية المرتحلة من سهوب أواسط أسيا.
كما لعب الملوك المجريون دورا في تشكيل ورعاية الثقافة والأدب لا سيما الملك لا سلو والملك لمان.ووصلت في عهد الملك مانياش ذروة التقدم والتطور والتواصل مع أوربا ثقافيا. أما ابرز من عمل على تطوير اللغة والثقافة المجريتين في عصر التنوير هم جورج بشنبي وكذلك فرنتس كازفيتسي الذي دعم ظهور المسرح في المجر كما اهتم بالترجمة.كذلك ميهاي تشوكوناي ودانيل برجنيي والكونت اشتفان ستيشني والشاعر ميهاي فرشمارتي والمخرج المسرحي يوجيف كاتونا.
في اربعينيات القرن التاسع عشر تعزز الاتجاه الشعبي في الأدب.وحافظ الشعر الوجداني على موقعه في الصدارة متمثلا بعمالقة الادب المجري منهم شاندور الشاعر الثوري وبانوش اران وأمره مداتش صاحب اشهر دراما مجرية(تراجيديا الإنسان)التي هي بمقام فردوس ملتون المفقود وفاوست غوتة.
أما الجيل الذهبي للأدب المجري فهم جيل الغرب(نيوغات)وهو عنوان مجلة ثقافية أرست الكثير من الدور الريادي للأدب المجري.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر وضع سياسي جديد وانتعشت في بناء البلد. وظهرت منابر ثقافية مهمة منها(المجريون)و(القمر الجديد)ومجلة الجواب ومجلة المنبر ومجلة الحقيقة ومجلة النجمة.وقد لعبت دورا مهما في الثقافة المجرية. لكن رياح عامي1948– 1949حملت نذرا شؤم عندما بدأت تصفية التعددية السياسية لصالح الستالينية. وبعد سقوط النظام الاشتراكي في المجر, والقضاء على دولة الحزب الواحد والعودة ثانية الى التعددية, عادت التجمعات الثقافية والدوريات مثل المعاصر والعالم المتحرك والصحوة ونهاية القرن والبرتقالة المجرية والمتحدث وغيرها.
وقد اختار المترجم ثائر صالح مجموعة من اهم الادباء المجريين للحديث عن تجربتهم وملامحها الادبية.منهم(اندره ادي) الشاعر والصحافي المجدد المتاثر ببودلير الفرنسي, وكان يؤمن بضرورة دمج ما هو وطني بما هو اوربي وعالمي. ورائعته(اعتراف الدانوب) تعد من المآثر الشعرية المجرية. ولد في دبرتسن في 1877عمل في بودابست بصحيفة يومية ثم في جريدة الغرب الشهيرة لكنه أصيب بالسفلس وتوفي في عام 1918. من قصيدته الرائعة اعترافات الدانوب يقول أندره:ـ
علمت، يحفظ دانوبنا
هذا الثعلب العجوز،أسرارا
ربما لم تحلم بها قط
منذ زمن نيران المغاور السحيق
هذه الاوروبا اللامبالية
أما الشاعر (يانوش اران) مواليد 1817فهو من ابرز شعراء المجر في القرن التاسع عشر. وأصبح سكرتير أكاديمية العلوم المجرية في1856. من أهم قصائده الملحمية الأجنبية ومن شعره:ـ
عندما انظر إلى ساقيك الناحلتين
لا يمكنني التصديق،أيتها العزيزة
كيف تحملان هذا الجمال
وفي قصيدة(خشب الكمان اليابس) يقول:ـ
خشب الكمان اليابس
كم حزينة أغنيته
يبكي يتمرمر، ينحب
تكاد دموعه تنسكب
ومن كتاب القصة اختار المترجم (زيغموند مورتيس) الذي يعد اهم كتاب القصة المجرية في القرن العشرين.تحدر من عائلة فلاحية فقيرة،وتمكن ابوه من توفير المال اللازم لتدريسه بصعوبة. درس الحقوق واللاهوت والأدب.وعمل بالتدريس والصحافة.اهتم بالأدب الشعبي ويعتبر من رواد القصة المجرية. وأعماله تعد من درر الأدب المجري منها ثلاثيته عن مقاطعة أردي(تراتسلفانيا برومانيا اليوم) وهي إمارة مجرية ظهرت في القرن السابع عشر.وقصة شاغدور التي تتحدث عن الثورة المجرية 1848– 1849وقصة الشباب(كن طيبا إلى الممات).وهو أول من حول القصة لتقرأ من الفلاحين وليس النخبة.
كذلك اختار(فرانتس مورا)الشاعر والكاتب وعالم الآثار،الذي بدأ حياته في التدريس.ثم اصبح صحافيا في مدينة سغد التي تقع على نهر تيسا.كما عمل مديرا لمتحف المدينة الذي سمي فيما بعد باسمه.اتسمت أعماله بتصوير حياة الفلاحين المنحدر منهم. كما كتب كثيرا عن أدب الأطفال كما في قصصه(تحت أشجار الجوز العتيقة والأمير لب الجوز).من ابرز رواياته(أحياء هاينبعل)وهي قصة ساخرة عن عالم المثقفين في المجر.
ورواية أغنية عن حقول القمح. وهي رواية معادية للحرب والعنف.وكذلك كتب الثابوت الذهبي التي يصور فيها ذكريات طفولته.
واختار أيضا(فريجش كارينتي)كاتب القصة الساخر المتعدد المواهب والصحفي المجري المعروف.كان يعد نفسه من الليبراليين المتشككين،الذين حولوا اللا معقول الى مادة غنية لا تنضب في الأدب الساخر. لكن جوهر كتاباته يتعدى سطحها الساخر ليتعمق في النفس البشرية وتعقيداتها كما في قصته القصيرة(الصف كله يقهقه).
كما اختار الشاعر(اتيلا يوجف)1905– 1937الذي يعتبر من مجددي الشعر المجري عاش كالأيتام بعد أن تركه والده.وكانت أمه تغسل الملابس حتى تعيل العائلة. وهو ما يذكره كثيرا في شعره منها تشبيهه لنهر الدانوب بأمه.كما كان حساسا اتجاه القضايا الاجتماعية وكتب العديد من القصائد عن الاشتراكية والعمال. كان جريئا ومتمردا بلا حدود. كما تأثر بالسريانية والتعبيرية والشعر الشعبي. وانتهت حياته على نحو مأساوي تحت عجلات القطار بعد مرض نفسي تفاقم عليه وهو في الثانية والثلاثين من عمره. وتحتفل المجر اليوم بعيد الشعر في يوم ميلاده سنويا... أهم قصائده(بقلب نقي) يقول فيها:
ليس لي أب ولا أم
ولا اله، ولا وطن
ولا مهد ولا كفن
ولا قبلة ولا حبيبة
لليوم الثالث لم آكل
لا الكثير ولا القليل
سنواتي العشرون قوة
سنواتي العشرون للبيع