البؤساء .. رواية القرن التاسع عشر

البؤساء .. رواية القرن التاسع عشر

ترجمة/ أحمد الزبيدي
بالامكان تأليف اكثر من كتاب ممتاز عن الروايات العظيمة، ورواية البؤساء التي كتبها”فيكتورهوجو”"هي واحدة من تلك الروايات فنادرا ما حظي عمل ادبي بمثل ما حظت به هذه الرواية من اهتمام من الناشرين والمترجمين والمخرجين السينمائيين و هذا ما يستعرضه ديفيد بيلوس في كتابه”رواية القرن"،حيث يسترجع التاريخ المثير للاهتمام لتحفة هوغو المكونة من 1500 صفحة.

صدرت رواية البؤساء في فرنسا في عام 1862. وظهرت طبعة لها باللغة الإنجليزية في نيويورك في نفس العام، ويعود الفضل في ذلك الى الترجمة الرائعة التي قام بها عالم المصريات الأمريكي تشارلز ويلبور والذي انتهى من ترجمتها في ستة أشهر فقط. ولكن على الفور ظهرت دلائل على أن الرواية سوف تحصل على انتشار واسع : ثم ظهرت نسخة مزورة لترجمة ويلبور في ولاية ريتشموند، حيث لم تطبق بعد قوانين حقوق التأليف والنشر. وحذفت منها كل إشارات هوجو إلى شرور الرق.)واصبحت رواية هوجو ذات شعبية كبيرة في ولايات الجنوب حتى أن الجنود بدأوا يطلقون على انفسهم لقب البؤساء

وتعرضت الرواية الى تشويه من نوع آخر في الترجمة البريطانية الأولى، التي قام بها السير تشارلز لاسيلس وراكسال، والتي صدرت أيضا في عام 1862. ووفقا للمؤلف، فان راكسال، وهو المؤرخ الذي صور نفسه خبيرا في تاريخ معركة واترلو، لم يتردد في اجراء تغيير في رواية هوجو لانها لم يوافق على المقاطع المتعلقة بهزيمة نابليون بونابرت.

كما يشير المؤلف الى التشويه الذي قام به مخرجو الافلام المأخوذة عن الرواية في جميع أنحاء العالم وتحريفهم للنص الأصلي للرواية وخصوصا في تضمين الافلام”ما كان هوغو يتجاهله”– وهو دور الكنيسة و الاشارة الى التعاليم الدينية على الرغم من أن هوجو كان يعتبر نفسه انسان مؤمنا”وهذا ما فعله المخرج البريطاني توم هوبر في تصوير بعض مشاهد الفلم الذي اخرجه عام 2012 في كاتدرائية وينشستر وهذا ما يتناقض مع الرواية، والتي لم تتطرق ولا مرة واحدة الى الكنيسة.

وكتاب ديفيد بيلوس، الذي كتب ببراعة، يقدم تصحيحا هاما لبعض من هذه التشويهات.حيث يورد المؤلف في كتابه:”ان هناك ما يقرب من 20 ألف كلمة مختفية او مشوهة من اصل كلمات نص الرواية البالغ عددها630 ألف كلمة”، وهو ما حدث ايضا مع شكسبير، الذي كان في الواقع يكتب بلغة ذات مفردات أكبر بكثير. ورغم ان المؤلف قد بلغ 71 عاما من العمر، الا انه لم يقرأ البؤساء الا منذ فترة قصيرة”، عندما حمل نسخة معه في رحلة لم تكتمل الى جبال الألب. وقال في مقدمة كتابه”اقتصر الامر على تمضية الوقت في غرفة في احد الفنادق بسبب برودة الجو،”ولاني بقيت عليلاً وقتا أطول من اللازم”فقد دخلت تحديا مع نفسي، وقررت ان اقرأ هذه الرواية الرائعة والمشوقة حتى النهاية."

ويطلق الكاتب على الرواية لقب”رواية القرن التاسع عشر لما احدثته من تأثير كبير على المجتمع الفرنسي: و يؤكد ان أربع اشياء اقترحها هوغو في روايته قد تم اعتمادها منذ ذلك الحين من قبل الحكومات الفرنسية من جميع الاتجاهات السياسية على مدى السنوات ال 150 الماضية. ويشمل ذلك السماح للمدانين بالعودة إلى المجتمع مرة أخرى دون ادراج أسمائهم في القائمة السوداء (أو في حالة فالجيان، إلغاء”جواز السفر الأصفر”الذي يجعل من الصعب على حامله العثور على الغذاء والسكن والعمل)؛ وتعديل قانون العقوبات للاعتراف بجرائم الضرورة، بحيث لا يحكم على مرتكبها بالأشغال الشاقة، منها على سبيل المثال، حالات الفقراء الذين يسرقون الخبز لإطعام أطفالهم الجوعى؛ وخلق المزيد من فرص العمل لغير المتعلمين؛ وبناء المدارس للفقراء و جعل التعليم الابتدائي”شاملا وإلزامي".

كما يتزين هذا الكتاب بسيرة مختصرة رائعة لحياة هوغو. نتعرف فيها على الكاتب الذي دافع بشجاعة عن قناعاته. ونعرف انه بدأ كتابة”البؤساء”في عام 1845 وهوفي سن ال 43، وهو نفس العام الذي منح فيه لقب نبيل من قبل الملك لويس فيليب.و بعد أن أعطى كتابه العنوان المؤقت”المآسي”وعمل عليه بشكل متقطع بين تشرين الثاني 1845 و شباط 1848، تركه جانبا عندما أدت احتجاجات الشوارع في باريس إلى قيام ثورة صغيرة.

في الواقع، كان معجزة أن ينجو كتاب”البؤساء”، ففي شباط 1848هاجم الغوغاء منزل هوغو الباريسي بينما كان خارجا. ويصف المؤلف ذلك بقوله :”كان الرجال الغاضبون على حافة نهبه عندما لاحظ أحدهم عريضة ملقاة على رأس كومة ورق". وكانت دعوة للعفو عن المتمردين في الاسطول الفرنسي في ميناء لو هافر.... اما كومة الورق الموجودة تحت الالتماس فكانت تحوي رواية”البؤساء".

لم يعاود هوغو مرة أخرى كتابة روايته الا بعد مرور 13 عاما، حيث كان يعيش في غيرنزي، وهي جزيرة تابعة للتاج البريطاني، بعد أن نفي من فرنسا من قبل نابليون الثالث (الذي اتهمه بالاستيلاء على السلطة بشكل غير قانوني). وأصبح مسكنه ملتقى لجميع أولئك الذين نفاهم النظام الاستبدادي لنابليون الثالث. لم يعود هوغو إلى فرنسا حتى عام 1870، عندما انتهى عهد نابليون الثالث. وبحلول ذلك الوقت، كانت روايته البؤساء في طريقها إلى الخلود

عن النيويورك تايمز