من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط

من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط

حمزة الجواهري*
سابعاً:
البنى التحتية للصناعة النفطية
الطاقة التخزينية للنفط معدومة لحد الآن:
غالبا ما نسمع عن توقف التصدير من الحقول الجنوبية بسبب سوء الأحوال الجوية، ونرى النتائج واضحة على عائدات العراق من النفط، حيث تنخفض بنسب عالية أحيانا، السبب في هذا الأمر هو عدم وجود طاقة تخزينية للنفط قرب الموانئ لخزن النفط المنتج في الحقول في حالة كهذه،

إذ حسب علمي المتواضع لم يعد حقل الخزانات الكبير في منطقة الفاو موجودا بعد أن تم تدميره خلال حروب العراق الكثيرة، والغريب أن حقول النفط ليست فيها طاقات خزن من أي نوع كان، فهناك خزانات تسمى خزانات الجريات وتعتبر المرحلة الأخيرة لفصل الغاز عن النفط وليست مخصصة لخزن النفط، سعتها محدودة جدا، هذا فضلا عن إمتلائها بمادة الأسفلتين الذي يصعب إزالته، لأن في حال تم إيقاف أي خزان لغرض التنظيف، فإن الإنتاج يجب أن يتوقف.
لكن خلال كتابة الموضوع أعلنت الوزارة عن وجود ثمانية خزانات تحت البناء في منطقة الفاو، سعتها بحدود مليونين وأربعمائة ألف برميل فقط، ولا أحد يعرف بالضبط متى سيتم إنجازها، فقد قيل أنها ستنتهي بنهاية العام الجاري2011، وما أعلن عنه أيضا وجود خطة للشروع بإنشاء ثمانية خزانات أخرى في العام القادم بنفس الحجم، أي إن الطاقة التخزينية القصوى سوف تكون بنهاية عام2012 أو منتصف2013 بحدود أربعة ملايين وثمنمائة الف برميل، يكون المتاح منها وفق المعايير الهندسية بحدود ثلاثة ملايين برميل، وذلك على أساس أن هناك جزءا من هذه السعة يعتبر ميتا وما يسمى بالDead volume وهو يمثل حوالي30% من حجم الخزانات، وهذه السعة لا تكفي حتى ليوم واحد في حال ساءت الأحوال الجوية في الخليج وتوقفت عمليات التحميل، في حين أن أقل فترة متوقعة لسوء الأحوال الجوية هي ثلاثة أيام وقد تستمر لمدة أسبوع في بعض الأحيان، ناهيك عن احتمالية حدوث تصدع لرصيف تحميل أو أكثر، فإن الفترة لإصلاحه قد تأخذ اشهر عدة، لنأخذ مسألة سوء الأحوال الجوية هي المعيار الوحيد لبناء منظومة التخزين، وهذا افتراض قد يترتب عليه مخاطر جمة وخسائر كبيرة، ولكن لنسلم به على أساس أنه الوحيد، فإننا بحاجة إلى سعة تخزين تصل الى28 مليون برميل وليس ثلاثة ملايين، أي إننا بحاجة إلى ما يقرب من عشرة أمثال الطاقة التخزينية التي تعمل عليها وزارة النفط، وذلك لأن الوزارة قد أعلنت أنها سوف تستطيع تصدير أربعة ملايين برميل يوميا بحلول عام2014.
بإختصار إن حقول الجنوب يجب أن يتوفر فيها الآن ‘طاقة تخزينية بحدود30مليون برميل بنهاية عام2013 ويجب ان تتوفر فيها طاقة تخزينية لا تقل عن90 مليون برميل بنهاية عام2016 عندما تنجح الشركات برفع الطاقة الإنتاجية إلى12 مليون برميل يوميا كما ألزمت نفسها به من خلال توقيعها عقود التطوير، وهذا يجب أن لا يمثل إلا البداية لتوسعات بهذه الطاقة للوصول إلى سعة تخزين تغطي فترة الشهر بدلا من اسبوع التي اعتمدناها بهذا الحساب البسيط، بحيث تتوزع هذه المنظومات التخزينية على منافذ التصدير سواء كانت في البصرة أم سوريا أم تركيا وذلك وفق ما تصبو إليه الوزارة بعد اكتمال عمليات التطوير بحلول2017، وليس بناء بضعة خزانات لا تغني من فاقة ولا تسمن من جوع كما خططت له الوزارة بإنشاء16 خزانا فقط السعة التشغيلية لكل منها لا تزيد على210 آلاف برميل تكتمل بعد سنة ونصف من بلوغ الشركات مستويات الإنتاج التي تتطلب وجود هذه الخزانات فيها.
إن عدم وجود طاقات لخزن النفط لفترات زمنية حتى لو كانت قصيرة جدا يعتبر أمرا غير مقبول في الصناعة النفطية، حيث أن الواقع الحالي مؤلم حقا، ولا يمكن تصديقه، كون النفط المنتج من حقول البصرة، حاليا، يذهب مباشرة من الحقول المنتجة إلى موانئ التصدير دون المرور بمرحلة تخزين، وهذا الأمر غير مقبول في الصناعة الاستخراجية، بل يعتبر نوعا من العبث وهدرا فضيعا للثروة، وفي أحسن الأحوال يمكن وصفه "بالضعف الشديد في البنية التحتية الأساسية" كما عبرت عنه الشركات العاملة على تطوير الحقول، هذا فضلا عن حقيقة أخرى مؤلمة وهي أن هذه الخزانات عارية من أية إضافات ضرورية أخرى سنأتي على ذكرها في السياق.
حقيقة لم أرَ ولم أسمع عن منظومة لإنتاج النفط بهذا الشكل في العالم على الاطلاق!
إن هذا الموضوع له تداعيات أخرى غير توقف الإنتاج، حيث إن الشركات التي استطاعت تحقيق زيادة بالإنتاج بحدود 10% يحق لها أن تبدأ باستعادة كلف التطوير حسب العقد، لكن بسبب تذبذب الإنتاج كما حصل خلال الربع الأول من هذا العام، فلم تستطع الشركة التي تطور حقل الرميلة، على سبيل المثال وليس الحصر، أن تحقق نسبة ال10% بالرغم من أن الإنتاج الفعلي كان أكثر قليلا من تلك النسبة. لذا وجدت الشركات أن ليس ممكنا المضي ببرامج التطوير الموضوعة في ظل غياب البنى التحتية، وهذا ما صرح به مسؤول كبير في شركة بي بي في حديث له نشرته الديلي اويل انترناشيونال بتاريخ18 آذار، وأضاف التقرير إن الشركات الأخرى قد اتخذت قرارات مشابهة أو في طريقها لإتخاذها، وهو التباطؤ بعمليات التطوير، وهذا ما ذكره تقرير صندوق النقد الدولي أيضا أوائل شهر نيسان الجاري.
التقارير السابقة الذكر لم تشر إلى أن الوزارة طلبت من الشركات التوقف أو التباطؤ، لكنها، أي الشركات، مضطرة لإيقاف الإنتاج من حين لآخر أو الاكتفاء بزيادات متواضعة كأمر واقع أجبرتها عليه سوء الأحوال الجوية وعدم وجود بنية تحتية تستوعب الإنتاج بعد توقف عمليات التصدير، ويبدو أن الوزارة، التي لم تعلق على هذه التقارير، لم تصلب من الشركات عدم التابطؤ في عمليات التطوير لحين اكتمال الوجبة الأولى من الخزانات التي مازالت تحت الإنشاء في الفاو وستكتمل بعون الله بعد سنة ونصف من الآن، لأنها تشعر فعلا بالتقصير من جانبها، وأنها لم تقم بواجبها كما ينبغي.
هذا التقصير من قبل الوزارة خلق مشكلة بينها وبين الشركات، فالشركات تعتقد أنها رفعت الإنتاج فوق الحد الذي يؤهلها لاستعادة أموال التطوير وفق العقود المبرمة، وبهذا الرفع للإنتاج ترى إنها قد أوفت بإلتزاماتها، في حين ترى الوزارة أن معدلات الإنتاج لم تحقق الزيادة المطلوبة عمليا وفق العقود، متغاضية بذلك عن موضوع التقصير الكبير من جانبها، ولا يوجد في العقد نص يحل مثل هذا الإشكال، ولا أدري من الذي سيتحمل وزر هذا التقصير الكبير وما يترتب عليه من إلتزامات مالية؟
بغض النظر عن مشكلة الشركات، فهي تعرف كيف تدافع عن حقوقها، في الواقع إن كلفة إنشاء خزانات يقل كثيرا عما تحتويه من نفط حسب أسعار النفط الخام هذه الأيام، وهذا يعني إن ضياع إنتاج نفط ليوم واحد فقط كنتيجة لسوء الأحوال الجوية أكثر من كلفة إنشاء الخزانات، لذا أجد من الصعب تفسير عجز الوزارة عن إنشاء خزانات خلال ثماني سنوات مرت على سقوط النظام السابق!ربما ستكون الحجة سوء الحالة الأمنية، لكن ما الذي ستقوله الوزارة عن الفترة من2008 ولحد الآن حيث الوضع الأمني على أفضل ما يرام في الجنوب خصوصا؟
أن هذا الأمر يعد من بديهيات العمل في الصناعة الاستخراجية، وإنه بالفعل قد تسبب بخفض كبير لعائدات النفط، وبحساب بسيط فإنه تسبب بضياع ملياري دولار تقريبا خلال العام الماضي فقط، وقد انخفض معدل التصدير في شهر آذار2011 بحدود43 ألف برميل يوميا عن الشهر الذي سبقه بسبب توقف الإنتاج كنتيجة لسوء الأحوال الجوية، حسب تقارير سومو، حيث أن معدل التصدير خلال شهر شباط كان بحدود مليونين و202 ألف برميل يوميا، وانخفض خلال آذار إلى مليونين و159 ألف برميل يوميا رغم الإرتفاع بمعدلات الإنتاج من حقول نفط الجنوب بحدود50 ألف برميل يوميا كما أعلنت عنه الشركات في تقارير نشرت في أكثر من مكان، وهكذا بعملية حسابية بسيطة تكون خسائر العراق خلال شهر آذار2011 فقط كانت بحدود307 ملايين دولار(حيث معدل سعر النفط العراقي خلال شهر آذار106.5 دولار للبرميل).
مثل هذا الأمر ينجر إلى سعة الأنابيب ومحطات الضخ، إذ يجب أن تكون بسعات أكبر من الطاقة التشغيلية في أوضاع العمل الطبيعية، أي يجب العمل على طاقات مضافة بحدود 20% من الطاقة التشغيلية للحقول، يؤخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار في أي مشروع استراتيجي او ما يمكن اعتباره بنية تحتية للصناعة الاستخراجية.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فحقل الخزانات هذا سوف يستقبل النفط من عدة شركات ومن حقول مختلفة في الجنوب، كلها تصب النفط في هذه الخزانات قبل ضخه إلى منصات التحميل، وهذا يستوجب وجود عدادات عالية الدقةfiscalmetters على كل خط أنابيب يصب في هذا الحقل للخزانات، وذلك لمعرفة الكميات التي أنتجتها الشركات بدقة قبل أن يختلط بالنفوط الأخرى التي انتجتها باقي الشركات، لأن على اساس نتائج هذه العدادات ستتم محاسبة الشركات. لكن يجب أن نذكر بهذا الصدد إن الشركات من جانبها قد نصبت عدادات في الحقول قبل ضخ النفط إلى الفاو، لكن حسب علمي أن هذه العدادات من النوع التشغيلي وليس النوع العالي الدقة الذي يستعمل لأغراض حسابات النفط أيFiscalmetters، وهذه العدادات غير مضمونة من قبل شركة سيطرة نوعية كطرف ثالث يعيد تغييرها بشكل دوري، فهي بذلك لا تنفع لعمل من هذا النوع، أي أغراض الحسابات النفطية.
بدون هذه العدادات لا تستطيع الوزارة محاسبة أي من الشركات، ولو ادعت أي منها أنها أنتجت أكثر مما أنتجته بالفعل، فلا يوجد لدى الوزارة أي دليل يؤكد أو يدحض تلك الإدعاءات، فعلى أي أساس سوف تحاسب الوزارة الشركات العاملة؟ على أساس الثقة؟ أم تدعوها للقسم بكتابها المقدس؟
ما تحدثت عنه في هذه الحلقة عن بنى تحتية، في الحقيقة يعتبر بنى ما تحت التحتية، وليست البنى التحتية، لأن هناك ملحقات أخرى لها كثيرة، كمضخات التحويل من خزان لآخر، ومحطات ضخ كبيرة لضخ النفط للموانئ العميقة، ومختبرات، ومنظومات سيطرة على العمليات، ومنظومات لمكافحة الحرائق، وأخرى للسيطرة النوعية، فالنفط المستلم يجب أن يكون محسوبا به كميات الماء التي مازالت عالقة بالنفط وكميات الكبريت وما إلى ذلك من قياسات يجب أن تجري بشكل آني ولها علاقة مباشرة بسعر النفط. كما ونحتاج إلى منظومات حساب رقمية مرتبطة ببنوك معلوماتDatabases وأخرى للمراقبة الأمنية وما إلى ذلك من منظومات تعتبر اليوم من الاساسيات بعد أن وصل العالم إلى هذه المرحلة من التطور، هذا فضلا عن وجود أبنية تسد كافة الاحتياجات التشغيلية والإقامة الدائمة هناك.
حقيقة ما كان ينبغي المضي بعرض بعض التفاصيل في هذه الفسحة الضيقة، ولكن وجدت من الضروري الخوض فيها لكي أبين للقارئ الكريم إن موضوع الخزانات ليس مجرد بضعة خزانات تحاول الوزارة بناءها كنوع من الارتجال لسد نقص بدا واضحا، ولكن لأبين أن حقل الخزانات مشروع عملاق فيه ما فيه من تفاصل، وهكذا أبدو وكأني واحد من المتصيدين في الماء العكر للوزارة من أمثال الشركات التي تعمل على تطوير الحقول أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو الرفينيو وج أو الصحافة العالمية، لذا ينبغي التوضيح هنا من أنها ليست مجرد رغبة عابرة بالخوض بهذه التفاصيل، ولا رغبة بإطلاق الشياطين، ذلك لكون الشيطان دائما يكمن في التفاصيل، ولكن لحث الوزارة على العمل ليلا ونهارا من أجل إنجاح هذه التجربة التاريخية الغير مسبوقة عالميا، وإن منح التراخيص لا يعني نهاية المطاف والجلوس بارتخاء إنتظارا لإنتهاء عمليات التطوير التي تقوم بها الشركات بالنيابة عن الوزارة.
إن منح التراخيص يعني أن هناك حجما كبيرا وواسعا من العمل يجب أن تقوم به الوزارة لإعادة بناء البنية التحتية القديمة وبناء أخرى جديدة مع الأخذ بنظر الإعتبار التوسعات المتوقعة، بحيث يكون لدينا بنية تحتية متكاملة تستطيع استيعاب طاقة إنتاجية وتصديرية تصل بعد أربع سنوات من الآن إلى12 مليون برميل يوميا، وأن يكون لدينا خطوط نقل للنفط والغاز تمر في كل جزء من العراق، ولا افشي سرا لو قلت أن الوزارة لحد هذه اللحظة لم تعمل إلا على جزء بسيط من هذه البنية مثل موانىء التحميل وخطوط نقل النفط للموانئ، عدا هذا، لم اسمع عن خطة للعمل على استكمال البنية التحتية لمنظومة عملاقة من النوع الذي يطمح له العراق، وهو إنتاج12 مليون برميل يوميا.
بناء مشاريع من هذا النوع يتطلب وقتا طويلا، فلو بدأنا الآن بتنفيذ خطة متكاملة لبناء منظومات البنية التحتية، فإنها سوف لن تكتمل يوم تصل الشركات بإنتاجها إلى المستويات التي ألزمت نفسها بها، بمعنى إن الشركات سوف تبقى في المقدمة ونحن نركض خلفها بأشواط، نلهث، ونجر الخطى كخامصات الدوابي، كما حصل مع حقل الخزانات في الفاو. وهذا الأمر لا يمكن التراخي به لأنه إلتزام كبير جدا، ويعتمد عليه مستقبل العراق، ويترتب عليه خسائر مالية بالغة فيما لو لم نستطع توفير البنية التحتية، وربما نفقد مصداقيتنا تماما أمام العالم.
على هذا الأساس يجب أن تكون لدى الوزارة خطة استراتيجية شاملة طويلة الأمد وأخرى قصيرة الأمد لمعالجة كل هذه الإحتياجات التي لابد منها، حيث بهذه الخطة يمكن تحديد الأولويات وتوفير الإمكانيات المطلوبة لها كالأموال والقوى العاملة وتوفير الأراضي وإجراء الدراسات التي تسبق أي مشروع استراتيجي من هذه المشاريع التي تعتبر هي العمود الفقري للبنية التحتية لصناعة نفط وغاز مرموقة تلبي كل الاحتياجات المستقبلية.
باختصار، يجب أن تكون لدينا بنى تحتية تستطيع ترجمة مفهوم ""التوزيع العادل للثروة"" على أرض الواقع، وأن لا يبقى مجرد أحلام، أو حبرا على ورق، وإنما نريد لكل مناطق العراق أن تأخذ نصيبا من إنتاج أو تصنيع هذه الثروة، لكي يعمل أبناء العراق اينما كانوا في مشاريع النفط والغاز سواء كان تصنيعا أو استخراجا، لأن مفهوم التوزيع العادل للثروة لا يعني العراك في أروقة البرلمان على حصص أكبر من الميزانية التي تأتي من بيع النفط فقط، وإنما تدوير عجلة الإنتاج وتحريك الاقتصاد العراقي في أي مكان، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بوضع بنى تحتية متكاملة وشاملة لتكون لدينا نهضة اقتصادية كبيرة تتناسب وحجم ثروتنا.
ويستمر الحديث حول البنى التحتية في الحلقة القادمة..........

*مهندس نفط مختص بإنتاج وتطوير الحقول النفطية والغازية