مع الأب الدكتور يوسف حبي

مع الأب الدكتور يوسف حبي

كاميران عبدالاحد
قبل عشر سنوات من الآن خسرنا أباً ومربياً وفيلسوفاً وكاتباً وأخاً عزيزاً علينا، إنه الأب الدكتور يوسف حبي الذي انتقل إلى الخدور السماوية في 18/10/2000.
بعد وفاة الأب أوغسطين صادق في تموز عام 1985، شعرنا نحن أهل دهوك وبخاصة الشباب والمثقفين بفراغ كبير لأن كل ما بدأ في بنائه الأب الراحل خلال سنوات خدمته في دهوك لم يكتمل..

فلم يكن الأب أوغسطين كاهناً فقط بل أباً وأخاً وصديقاً وذا قلب كبير، فكان صغيراً مع الصغار وكبيراً مع الكبار، فقيراً مع الفقراء وغنياً مع الأغنياء، وكان شاعراً وأديباً وموسيقياً.
وبعد رحيله (الأب أوغسطين) أصبحت دهوك بدون كاهن، فكنا نحن الشباب نلتقي يومياً في الكنيسة، وذات مرّة سمعنا من قبل المثلث الرحمة المطران إسطيفان كجو راعي أبرشية زاخو ونوهدرا بأنه تمّ تعيين الأب يوسف حبي كاهناً لمدينة دهوك وقد فرحنا جداً لهذا الخبر وبدأنا التحضيرات في كنيسة الانتقال ونادي نوهدرا الاجتماعي لاستقبال هذا الصرح الثقافي الكبير في مدينتنا العزيزة نوهدرا.. وهكذا استلم الأب الجديد مسؤوليته الرعوية لخورنة كنيسة الكلدان في مدينة دهوك.
لقد كان الأب يوسف حبي آنذاك يعرف جيداً شخصية الأب الراحل أوغسطين صادق الكهنوتية والثقافية، لذلك فقد اقترح على بعض المثقفين من اتحاد أدباء الكورد فرع دهوك والهيئة الإدارية لنادي نوهدرا الاجتماعي بإقامة مهرجان ثقافي كبير بمناسبة مرور عام على وفاة الأب أوغسطين صادق تخليداً لذكراه المشرّف.. وبالفعل تمّ إقامة مهرجان نوهدرا الثقافي الأول للفترة من 27-31 آب من عام 1986.
وانتهت مدة خدمة الأب يوسف حبي القصيرة والتي استمرّت لسنتين (1986-1987) وعاد إلى مدينته (الموصل) ليكمّل مشواره الكهنوتي والأدبي والثقافي.
في منتصف شهر تموز من عام 2000 كلفتُ بالسفر إلى بغداد لإيصال دعوات المشاركة في مهرجان نوهدرا الثقافي السادس من الفترة 13-16 آب 2000 بصفتي سكرتير نادي نوهدرا الاجتماعي لأدباء العراق، في اليوم الأول قمت بزيارة إتحاد أدباء العراق المركز العام وفي اليوم الثاني زرت مقر جمعية آشور بانيبال والتقيت هناك بالشعراء روبين بيت شموئيل والياس متي منصور وعادل دنو وأديب كوكا وبنيامين حداد وسعيد شامايا على ما أذكر، كانت في حينها محاضرة للأديب بنيامين حداد في حديقة الجمعية.. وبعد انتهائها توجهنا إلى مقر الإتحاد برفقة الشاعر روبين بيت شموئيل والشاعر الياس متي منصور والتقينا هناك في حديقة الإتحاد الشاعر العراقي عادل الشرقي وأخبرنا بأن رئيس الإتحاد وافق على سفر الشعراء إلى دهوك للمشاركة في أعمال المهرجان المذكور.
وفيما نتناول العشاء طلبت من روبين والياس برغبتي بلقاء الأب يوسف حبي لدعوته للمشاركة بهذا المهرجان، وفي اليوم التالي اتصل الأخ روبين بالأب الراحل وحدد معه اللقاء في كلية بابل للفلسفة واللاهوت الساعة العاشرة والنصف صباحاً فذهبنا واستقبلنا هناك بحرارة بالغة في غرفته التي كانت جدرانها من الكتب.. فبدأ يسألني عن مدينة دهوك واهلها وعن نشاطات نادي نوهدرا، فأبلغته رغبة أهالي دهوك برؤيته ثانية وتمنياتهم له بالصحة والعافية، وسلمته الدعوة ففرح بها كثيراً وقال لي بالحرف (يا كاميران سوف ألغي كل التزاماتي من أجل التزاماتي في دهوك).
وبعد ساعة واحدة غادرنا مبنى الكلية وتلقينا دعوة غداء من عائلة الشاعر الياس متي في داره.. وفي عصر ذاك اليوم قدمت دعوات إلى الشاعر الكبير محمد البدري والأديب الكبير حسين الجاف وسرّوا لذلك.
واتفقت مع كل المدعوين بأن الانطلاق إلى دهوك سيكون صباح يوم 12/8/2000.
وبدأت اللجان المنبثقة وبالتنسيق مع اللجنة العليا للمهرجان بالتحضير لهذا العرس الرائع كخلية نحل من أجل إنجاحه، وبدأت الوفود تتوافد إلى مدينة دهوك رغم إجراءات المرور الصعبة والمشينة من خلال نقاط السيطرات يومذاك.. وصولاً إلى فندق لومانا مقر إقامة المدعوّين.
بدأ المهرجان أعماله عند الساعة الثامنة مساءً من يوم 13/8/2000 وكان منهاج اليوم الأول مخصص لمحاضرة الأب يوسف حبي التي كانت بعنوان (الدراسات الكوردية والسريانية في المصادر الغربية)، وبعد انتهائه من محاضرته بدأ يتحدث عن جمال دهوك وكوردستان على أنها حديقة جميلة ورائعة بورودها المتنوعة. وفي صباح اليوم الثاني تجولنا في سوبر ماركت (مازي) وهناك قال لي بالحرف: (كاميران، سوف تجري يوم 18/8/2000 انتخابات اتحاد أدباء وكتاب العراق ولا أريد المشاركة فيه وأرغب البقاء في دهوك أطول مدّة ممكنة لحين انتهائها) فرحبتُ بطلبه وقلت له أهلاً وسهلاً بك وسوف نخدمك ليلاً ونهاراً...
وبعد أن انتهينا من التسوق ذهبنا لزيارة كنيسة مار إيث آلاها والتقينا بالمطران المثلث الرحمة حنا قلو والأب الراحل يعقوب بتو النجاز، وبعد خروجنا من هناك ونحن نركب السيارة سمعنا أحدهم ينادي أبونا يوسف حبي قائلاً (أبونا حبي، أستاذ عدي!! يقول بالحرف الواحد على أبونا حبي الحضور إلى بغداد يوم 18/8/2000 لغرض المشاركة في الانتخابات وأنت مرشح ضمن قائمته). وبكل عصبية قال أبونا لذلك الشخص: (اذهب وقل لأستاذك بأن يوسف حبي ليس قطع شطرنج بيده). وقال لي وهو يرتجف من شدة العصبية والرهبة دعنا نغادر.. فذهبنا إلى كازينو كلي دهوك وكانت الساعة حوالي الواحدة والنصف ظهراً، وقال: (يا كاميران أنت لا تعرف عدي هذا، إنه جلاّد وطائش ومجنون...) فقلتُ له إهدأ يا أبونا وتوكل على المسيح وسافر غداً إلى بغداد.. فأجاب نعم غداً سأسافر بعون الله..
وقبل أن نطلب طعام الغداء طلبت منه أن أجري معه لقاء صحفياً بصفتي سكرتير تحرير مجلة (أثرا) التي يصدرها نادي نوهدرا الاجتماعي فرحب بذلك وقال هات أسئلتك وسوف أجاوب عليها وغداً تستلمها.
عزيزي القارئ، بسبب ظروف فنية ومالية توقفت مجلة (أثرا) عن الصدور ولم يتسنى لي نشر هذه المقالة.
ونقول للفقيد الراحل: أيها الأب إننا نذرف الدموع على رحيلك المبكر ولحاقك بقوافل الشهداء والقديسين الذين سقوا أرض الآباء والأجداد بدمائهم الطاهرة من أجل نشر كلمة المحبة والسلام في بلدنا العراق ووفاءً لكم نقف أمام روحكم الطاهرة بكل إجلال وإكبار.

نبذة عن الأب يوسف حبي:
من مواليد الموصل 23/12/1938، درس في روما الفلسفة (ليسانس) (اللاهوت، ليسانس)، القانون الكنسي (دكتوراه) ودبلوم في الإجتماعيات ووسائل الإعلام، تاريخ الإلحاد، المريميات، ومرشح لدكتوراه الدولة في السوربون/ فرنسا عن الحضارة.
عضو مجمع اللغة السريانية 1972 ورئيسها حالياً، والمجمع العلمي العراقي 1978 وحاليا عضو المجمع العالمي ورئيس فرع الفلسفة.
عميد كلية بابل للفلسفة واللاهوت ورئيس تحرير مجلة بين النهرين، استاذ في المعهد الشرقي (روما) النائب البطريركي للشؤون الثقافية ورئيس محكمة الإستئناف الكنسية. وخوري كنيسة مار كوركيس (بغداد- الغدير).
شارك في عشرات المؤتمرات والندوات العالمية، صاحب أكثر من (20) كتاباً (تأليف، تحقيق، ترجمة) وأكثر من (350) مقالاً وبحثاً في مجلات عراقية وعربية وأجنبية..
اللّغات التي يجيدها السريانية، العربية، الإيطالية، الفرنسية، اللاتينية، الإنكليزية، الألمانية..
خدم في دهوك (1986-1987).

المقابلة الصحفية:
أثرا: تسر هيئة تحرير مجلة أثرا الدورية والتي يصدرها نادي نوهدرا الاجتماعي في دهوك أن تنتهز فرصة وجودكم بين أهلكم وأبنائكم في دهوك للمشاركة في مهرجان نوهدرا الثقافي السادس للفترة من 13-16 آب 2000 فأهلاً وسهلاً بكم بين أحبابك وأصدقائك.
د. يوسف حبي: أهلاً وسهلاً بكم، أتمنى من كل قلبي النجاح لهذه التظاهرة الثقافية التي يقيمها هذا النادي العريق والذي يجمع بين جناحه كل فئات الشعب بلا تفرقة أو عنصرية.. وأتمنى لأهالي دهوك الأعزاء كل الخير.
أثرا: ما هو انطباعك وأنت تشارك في مهرجان نوهدرا الثقافي السادس وأنت من مؤسّسيه؟
د. يوسف حبي: عند مجيئك إلى بغداد يا أخ كاميران لتدعوني إلى المشاركة في هذا المهرجان فرحتُ جداً وبيّنتُ لك استعدادي للحضور والمشاركة به وإلقاء محاضرة بعنوان (الدراسات الكوردية والسريانية في المصادر الغربية) وقلتُ لك بأنني سوف ألغي كل ارتباطاتي من أجل ذلك.. وقد سررتُ أيضاً بالهيئة الإدارية التي أخذت على عاتقها إقامة المهرجانات والندوات والأماسي الثقافية والشعرية التي كانت السمة الأساسية لهذا النادي العريق.. لقد كان للأدباء والكتاب الكورد دور مهم في إنجاح المهرجان الثقافي الأول الذي انعقد في دهوك للفترة من 27-31-1986، وقد كان معي الأخوة تيلي أمين وكريم فندي وأنور محمد طاهر وإنه لإنطباع جيد في أن أشارك فيه مرة أخرى، وأتمنى من الإخوة المسؤولين والإداريين والحزبيين وأولهم الأخ نيجيرفان أحمد محافظ دهوك مدّ يد العون لهذا النادي الذي بقدم نشاطاته الثقافية والاجتماعية لخدمة أبناء هذه المدينة الجميلة التي هي فعلاً عروس العراق.
أثرا: ماذا تنصح الشباب في هذه المرحلة؟
د. يوسف حبي: بالنسبة إلى الشباب في دهوك فإنهم ماضون على نفس درب ونهج وفكر الأب الراحل أوغسطين صادق في محبتهم وكرمهم وخصالهم الحميدة وما أريد التركيز عليه هو صمودهم بوجه التيارات الجارفة على حدّ قول أبينا البطريرك مار روفائيل الأول بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم. وعلى صفحات هذه المجلة التي تجسدت في بعض المنظمات العاملة في المنطقة بإسم الإنسانية لتحقيق مآربهم الخبيثة في وحدة هذا الشعب وأرضه. وأتمنى من كل شاب وشابة أن يكونوا يدأً واحدة لبناء وطنهم العراق وكوردستان.
أثرا: كلمة أخيرة..
د. يوسف حبي: إنه لشعور طيّب أن ألتقي مرّة أخرى بأحبائي وأصدقائي من الكتّاب والشعراء والأدباء الكورد في هذا الكرنفال الجميل وأتمنى من كل قلبي لكوردستان التطور والإزدهار ولشعبها الطيب الموفقية، ولقد أدهشتني معالم التطور والبناء الحاصل في المنطقة، فأتمنى من كل المسؤولين أن يخطوا مثل هكذا خطوات من أجل أن تكون كوردستان مثلاً للعالم أجمع..
وأشكر من قلبي أعضاء الهيئة الإدارية لنادي نوهدرا الاجتماعي وكذلك الأخ محافظ دهوك وهيئة تحرير مجلة مه تين والإخوة تيلي أمين وكريم فندي وفهيم عبدالله وديار الدوسكي وأهالي دهوك الكرام على الحفاوة والإستقبال الحار الذي استقبلوني به.. وإنشاء الله سأكون معكم في مهرجانكم السابقه.
أثرا: شكراً جزيلاً يا دكتور على هذا اللقاء الرائع وإنشاء الله سنكون عند حسن ظنكم.

د. يوسف حبي: أقدم جزيل الشكر إلى مجلة أثرا وأتمنى لها ولكم الموفقية في عملكم لخدمة أبناء هذه المدينة.
أثرا: أشكركم أبونا وأتمنى لكم التوفيق..